في هذا العصر الذي صارت فيه كلمة الرب عزيزة جداً (!) ، ولم يعد للأساسات الكتابية ( العقيدة ) قيمتها التي تفوق الذهب والألماس ، حتى أن البعض ذهب إلى القول بإن العقيدة إنما تُزيد الفُرْقَة بين المؤمنين في الكنائس المختلفة ، والأفضل أن يكون " كله في المسيح ونبقى حبايب"! وأمام هذا التيار المادي في أساسه والبرجماتي النفعي
في جوهره ، تَنَحَّى وتراجَع الكثيرون من القامات اللاهوتية والرعاة والدارسين من ميدان الفكر الكتابي ، تاركين الساحة لِتُجَّار الدين ومحترفي الرقص على الحبال بكافة ألوانها ، وآثروا السلامة ، وأين هي ؟؟؟
ولعلكم تلاحظون أيها الرعاة والقسوس والدارسون لكلمة الله أنه في النادر الآن ما يتم الحديث أو الدعوة في مؤتمراتنا لتناول " العقيدة " ، مع أن العقيدة هي التي تحدد بِحَسْم ملامح هُوِيَّتك أمام الآخر ، وهو ما يجعلك تنال احتراماً وتقديراً تفقدهما عندما تضيع هذه المعالم ، فلا يعلم الآخر مَنْ أنت ، ولا أنت أيضاً !!!!
وها أنا آخذ مبادرة بالكلام في العقيدة ( !!! ) ...
ولمَّا كانت لديَّ قناعة بأن صحوة الكنيسة ونهضتها تكمن في مدى يقينها بِمَا تنادي به ، وسط بحر هادر من الأفكار والعقائد المختلفة ، لكن إيماني هو أن الحق الكتابي واحدٌ ، لا يتجزأ ، وأن العقائد الأصيلة لا يمكن أن تتلاقَى أو تتصالح ولا تقبل بالحلول الوَسَط مع العقائد الغير صحيحة ، فالعقيدة إمَّا كانت حقاً أو كانت ضلالاً ، وأن النور لابد وأن يظهر للمراكب والسفن الأخرى التائهة حال انقشاع الضباب من المشهد ...
لهذه الأسباب وغيرها أخذتُ على عاتقي أن أقدم " مُعَالَجة " لموضوع في الفكر اللاهوتي أرى أنه سببٌ رئيسي للإختلاف بين الثلاث كنائس الكبرى وهو :
شخص الرب يسوع المسيح: طبيعة أم طبيعتان؟؟
رأى الكنيسة الإنجيلية المشيخية عموماً فى طبيعة السيد المسيح :
- يرى الفكر الإنجيلى المشيخي أن المسيح هو عبارة عن " طبيعتين " ، هما " اللاهوت " و " الناسوت " ، وقد اتحدتا فى " شخص " واحد ، ونتج عنهما " طبيعتان " ، ولكن بدون امتزاج أو اختلاط أو استحالة .
- وذلك مثل اتحاد " الجسد " مع " النفس " فى " شخص الإنسان " ، والذى فيه تبقى " النفس " نفساً محتفظة بكل خصائصها الروحية ، و " الجسد " هو الجسد بكل خصائصه الجسدية ، ولكنهما لا يمتزجان أو يختلطان أو يتحول أحدهما إلى الآخر بل يبقيان متميزين .
- وما دام اللاهوت والناسوت يحتفظ كل منهما بخواصه فى اتحادهما فى شخص المسيح ، لذلك يصح أن يُوصَف شخص المسيح بكل ما يَصْدُق على ناسوته وعلى لاهوته ، فيمكننا أن نقول إن المسيح :
oمحدود وغير محدود ، بمعنى أنه وُلِدَ فى وقت معين فى الزمان والمكان ، وأنه منذ الأزل .
oله حكمة بشرية قابلة للنمو ، وحكمة إلهية كاملة .
oوأنه لا يعرف أموراً ، ويعلم كل شئ .
oوأنه دون الله ، ومساوٍ له .
رأى الكنيسة الأرثوذكسية فى طبيعة السيد المسيح :
- يرى الأرثوذكس اللاخلقدونيين أن المسيح هو عبارة عن " طبيعتين " ، هما " اللاهوت " ، و " الناسوت " ، وقد اتحدتا و صارتا " واحداً فى الجوهر أو فى الطبيعة " ، أو نتج عنهما " وحدة فى الطبيعة " أو " طبيعة واحدة " ، التى هى طبيعة " الله الكلمة المتجسد " ، ولكن بدون امتزاج أو اختلاط أو استحالة . فالمسيح هو إله متأنس ، وليس إلهاً وإنساناً !
- وذلك مثل اتحاد " الجسد " مع " النفس " ، حيث تتحد طبيعة النفس الروحانية بطبيعة الجسد المادية الترابية ، ويتكون من هذا الإتحاد " طبيعة واحدة " هى " الطبيعة البشرية " . ومع أن الإنسان تكوَّن من هاتين الطبيعتين ، إلا أننا لا نقول عنه مطلقاً إنه اثنان ، بل إنسان واحد . وكل أعماله ننسبها إلى هذه " الطبيعة الواحدة " . فنقول : أكلَ فلان أو جاع أو تعب أو نام أو تألم ولا نقول إن جسد فلان هو الذى أكل أو جاع أو تألم ...إلخ ، لكننا ننسب هذا الأمر إلى الإنسان كله ، وليس إلى الجسد فقط . كذلك كل ما كان يفعله المسيح كان يُنْسَب إليه كله ، وليس إلى لاهوته وحده أو إلى ناسوته وحده !
- ويُضِيف الفكر الأرثوذكسى مثالاً آخراً شهيراً لإثبات عقيدة الطبيعة الواحدة وهو " الحديد المُحَمَّى بالنار " . ويرون إنه فى حالة الحديد المُحَمَّى بالنار لا نقول إن هناك " طبيعتين " ، طبيعة الحديد وطبيعة النار ، وإنما نقول " طبيعة واحدة " هى طبيعة الحديد المُحَمَّى بالنار ، كذلك نقول عن طبيعة السيد المسيح إنه إله متأنس، أو إله متجسد ، ولا نقول إنه إثنان ، إله وإنسان . وفى حالة الحديد المحمى بالنار لا تُوجَد استحالة ، فلا الحديد تحول إلى نار ، ولا النار تحولت إلى حديد !
- وبناء على ما سبق ، وكما يرى الأب " متى المسكين " ، فإن المسيح لم يأتِ عملاً إلهياً دون أن يكون الجسد شريكاً فيه ، ولم يعمل عملاً جسدياً دون أن يكون اللاهوت شريكاً فيه ، وأن ما يختاره اللاهوت هو هو ما يختاره الناسوت !!!
- وفى إثبات " البابا شنودة الثالث " لعقيدة الطبيعة الواحدة يستشهد بعدة أمثلة كتابية منها :
أ. قول المسيح لنيقوديموس " ليس أحد صعد إل السماء ، إلا الذى نزل من السماء ، ابن الإنسان الذى هو فى السماء " يو 3: 13 . ويتساءل : فمن هو هذا ابن الإنسان الذى نزل من السماء ؟ والذى هو فى السماء ويكلم نيقوديموس على الأرض ؟ أهو الطبيعة الإلهية أم الطبيعة البشرية ؟ ثم يجيب : لا يمكن أن يكون هو إلا الكلمة المتجسد . فهذه العبارة واضحة جداً فى إثبات الطبيعة الواحدة !
ب. قول المسيح فى مت 9: 6 " ولكن لكى تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا ... " . ويتساءل : فهل الذى قال للمفلوج " مغفورة لك خطاياك " هو الناسوت أم اللاهوت ؟ ويجيب : أليس حسناً أن نقول إنه الكلمة المتجسد ؟
ت. ويتساءل البابا شنودة أيضاً : وهل الذى دخل من الأبواب وهى مُغَلَّقة بعد قيامته دخل بلاهوته أم بناسوته ؟ ويجيب : أليس هذا دليلاً على وحدة الطبيعة ؟
تعليقات :
• إنني أرى أن هناك مُغَالَطة فى مثال اتحاد النفس بالجسد وهي الاعتقاد بإنه قد نتج عن اتحاد " النفس " مع " الجسد " ، " طبيعة واحدة " ؛ وذلك لأن " النفس " روحية غير مادية " ، و" الجسد " مادى غير روحى ، لذلك لا يمكن أن ينتج عن اتحاد الروحى والمادى أمراً روحياً صِرْفاً ، الذى هو الطبيعة البشرية ، بل إن ما ينتج عن اتحادهما هو " شخص الإنسان " . فهل يمكن أن نقول عندما يأكل إنسان ما : إن " الطبيعة البشرية " قد أكلت ، أو شربت ، أو نامت ، أو تألمت ؟ وهل يصح أن نقول : دم الطبيعة البشرية ؟؟؟ لكن هذا القول يصح على " شخص " اتحدت فيه النفس مع الجسد ، فنقول دم الإنسان .
• إننى أرى أن مصطلح " الطبيعة البشرية " لا يهدف فى الأساس إلى تحديد هل الإنسان يتكون من طبيعة واحدة أو من طبيعتين ، لكن يُرَاد به الإشارة إلى " الخصائص " المشتركة التى تجمع بين البشر فى كل زمان ومكان ، وليس الحديث عن " طبيعة " اتحاد النفس والجسد .
• فى مثال الحديد المُحَمَّى بالنار ، نجد فى الحقيقة إن الحديد ظل حديداً بطبيعته المادية كما هى وإن اتحد بالنار ، وأن النار ظلت ناراً بطبيعتها الغير مادية كما هى وإن اتحدت بالحديد . لذلك لا يمكن أن نقول إنه قد نتج عن هذا الاتحاد " طبيعة واحدة " ؛ لأن طبيعة الحديد هنا لم تكن كطبيعة النار ، وطبيعة النار لم تكن كطبيعة الحديد . أضف إلى ذلك إنه بعدما يبرد الحديد المُحَمَّى بالنار ، لا تبقَ هناك سوى طبيعة واحدة ، هى طبيعة الحديد ! أمَّا النار فقد ذهبت بلا رجعة !!
• إن الحديث عن " طبيعة واحدة " ، بعد القول " بطبيعتين " ، يعطى الانطباع وكأنه نتج عن اتحاد اللاهوت بالناسوت " طبيعة جديدة " ! مما يعنى أننا أمام " طبيعة " لم تكن موجودة قبلاً ، لا هى باللاهوت ولا هى بالناسوت !!! إن خطورة هذا الأمر تكمن فى الإيحاء بأنه قد حدث تغيُّر فى جوهر أقنوم الابن ، وبالتالى فى جوهر اللاهوت !!!
• إن التجسُّد ، الذى هو اتحاد اللاهوت بالناسوت ، ليس هو تحوُّل اللاهوت إلى ناسوت ، أو تحوُّل الناسوت إلى لاهوت ، بل هو فقط وجود اللاهوت مع الناسوت الذى اتخذه ، فى وحدة حقيقية ، بعمل إلهى يفوق الإدراك .
• إن اتحاد الطبيعتين فى طبيعة واحدة إنما يُبَرّر فى حقيقة الأمر لمصطلح " والدة الإله " الذى تنسبة الكنيسة الأرثوذكسية للعذراء مريم ! وهذا يتضح من قول القمص كيرلس الأنطونى فى كتاب " عصر المجامع " ص 177 ، حيث يقول بالنص :
" وتعتقد كنيستنا كما تعتقد الكنائس التقليدية الأخرى ، بأن السيدة العذراء هى والدة الإله ، وهكذا حدد الآباء القديسون فى المجمع الأفسسى المسكونى الثالث ، على أن هذه التسمية لا تستقيم إطلاقاً إلا إذا أخذنا بوجهة نظر كنيستنا القبطية التى فيها تتحد الطبيعتان اتحاداً كاملاً . أمَّا إذا أخذنا بمبدأ فصل الطبيعتين فى خواصهما وأعمالهما ، أن العذراء هى أم ناسوت المسيح فقط ، لأنه من المُسَلَّم به أن العذراء لم تلد اللاهوت . ولكن على أساس الإتحاد الكامل بين طبيعتى السيد نقول إن العذراء تُدْعَى " أم الله " كما سمتها أليصابات " من أين لى هذا ، أن تأتى أم ربى إلىَّ ؟ " يو 1: 43 ، على اعتبار أن مريم ولدت إلهاً متأنساً ذو طبيعة واحدة " .
• إن عقيدة الطبيعة الواحدة تجذبنا للتفكير بِمَتَى صارت الطبيعتان فى المسيح واحداً فى الجوهر والطبيعة : هل فى اللحظة التى اتحد فيها اللاهوت بدماء العذراء ؟ فإذا كان الحال كذلك ، تكون العذراء بشكل من الأشكال لها طابع إلهى ، إذ هى شريكة فى أقنوم الابن ! وبعد صعود المسيح إلى السماء بالناسوت الذى أخذه منها ، هل يمكن تخيُّل أن مَنْ أعطته هذا الناسوت تكون بعيدة عنه فى المجد ، بل هى قريبة منه جالسة على العرش إلى يمينه ؟؟؟
• إن عقيدة الطبيعة الواحدة للمسيح لها ارتباطها بِسِرّ العشاء الربانى ، لأنه بصلاة القداس التى يُقِيمها الكاهن يستحيل ( يتحول ) الخبز والخمر إلى شخص الله الكلمة المتجسد ذى الطبيعة الواحدة ، وهذا هو سِرّ التناول من العشاء الربانى !!
• إذن التنازع بين الكنيستين الشرقية بقيادة كرسى الإسكندرية ، والغربية بقيادة كرسى روما ، كان فى الأساس على الرئاسة والسلطان ، وهذا لا يتحقق إلا بنقد عقائد الآخر وطقوسه وإثبات فسادها ، كذلك بالتنازع حول أحقية كل كنيسة فى اقتناء العذراء إلى جانبها . فليس هناك طريق وسط ، فإمَّا الكنيسة الأرثوذكسية ، المستقيمة الرأى وحدها دون سواها ، أو الكنيسة الجامعة الرسولية الغربية دون غيرها !
أمثلة كتابية ومدى موافقتها لرأى الكنيستين
الإنجيلية والأرثوذكسية !
• " ثم نزل معهما وجاء إلى الناصرة وكان خاضعاً لهما " لو 2: 51 .
- فهل يصح القول عن تصرُّفات المسيح فى فترة طفولته أنها كانت تصرفات " الطبيعة الواحدة " ، والتى فيها ما كان يفعله " الناسوت " هو هو ما يفعله " اللاهوت " ؟؟؟ فهل لمَّا كان خاضعاً لأبويه ، كان اللاهوت أيضاً كذلك ؟؟؟ وسأكتفي بهذه فقط ...
• " وأمَّا يسوع فكان يتقدم فى الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس " ع52 .
- وهل لمَّا كان جسد الطفل يسوع ينمو ، هل كان اللاهوت واحداً معه فى الجوهر ، ينمو معه ؟
• " ثم أُصْعِدَ يسوع إلى البرية من الروح ، لِيُجَرَّب من إبليس " مت 4: 1 .
- وإذا أخذنا بعقيدة " الطبيعة الواحدة " للمسيح ، ووحدة الطبيعة فى الجوهر ، والتى فيها ما يختاره اللاهوت هو هو ما يختاره الناسوت ، والتى بحسبها المسيح لم يأتِ عملاً إلهياً دون أن يكون الجسد شريكاً فيه ، ولم يعمل عملاً جسدياً دون أن يكون اللاهوت شريكاً فيه ، فمَنْ تُرَى الذى جُرِّبَ من الشيطان عند ابتداء خدمة يسوع الجهارية ؟ هل الذى جُرِّبَ هو الطبيعة الواحدة ، الله الكلمة المتجسد ؟ وهل كان اللاهوت مشتركاً مع الجسد فى الخضوع للتجربة ؟؟ مت 4: 1-11 .
• " ليس أحد صعد إل السماء ، إلا الذى نزل من السماء ، ابن الإنسان الذى هو فى السماء " يو 3: 13 .
- وهل اتحاد الطبيعتين فى المسيح وصيرورتهما واحداً فى الجوهر أو فى الطبيعة ، أو نتج عنهما وحدة فى الطبيعة ، يعنى أن ناسوت المسيح كان موجوداً فى السماء وقت أن كان يسوع يتكلم مع نيقوديموس ؟ وهو ما يدعونا إلى تساؤل آخر : هل الذى نزل من السماء هو المسيح لاهوتاً وناسوتاً ؟؟؟ بمعنى آخر ، هل الذى نزل من السماء هو الله الكلمة المتجسد ؟؟؟
- إن حديث الرب مع نيقوديموس عن وجوده أمامه وفى السماء فى آن واحد ، إنما هو حديث فى الأساس عن الإتحاد الأقنومى للأقانيم الثلاثة فى اللاهوت ، وأنه إذا تجسد أقنوم الإبن فليس معنى ذلك أنه تَحَيَّز بمكان فتحدَّد به دون الأقنومين الآخرين ، لكن أقنوم الإبن كان فى وحدة كاملة مع الأقنومين الآخرين . إذن المسيح ، ابن الإنسان الإلهى ، كما ورد فى نبوة دانيآل ، هو الله الظاهر فى الجسد ، وهو الوحيد الذى يمكنه أن يهَب نيقوديموس الميلاد الثانى بروحه القدوس ، وهذه هى الفرصة الذهبية التى مُنِحَتْ لهذا الرئيس الدينى !
• " وكان هو فى المؤخَّر على وسادة نائماً . فأيقظوه ، وقالوا له : يا معلم ، أمَا يهُمُّك أننا نهلك ؟ " مر 4: 38 .
- وهل تنصرف مسألة النوم أو الأكل أو الشرب أو التعب ...إلخ على " الطبيعة الواحدة " أو على " الطبيعتين اللتين صارتا واحداً فى الجوهر ؟ فإذا كان الأمر كذلك ، فمن ذا الذى كان ينام ؟ هل هو " الطبيعة الواحدة " ؟ الله الكلمة المتجسد ؟ وهل كان اللاهوت شريكاً أيضاً فى النوم الذى اختاره الناسوت ؟؟
• " قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن " يو 8: 58 ، " المجد الذى كان لى عندك قبل كون العالم " يو 17: 5 .
- إن قول المسيح " أنا كائن " ، لا يمكن أن يصدق إلا على اللاهوت ، ولايمكن أن يصدق على الناسوت ، وإلا لكان الناسوت أزلياً !!!!
• " وأمَّا ذلك اليوم وتلك الساعة ، فلا يعلم بهما أحد ، ولا الملائكة الذين فى السماء ، ولا الإبن ، إلا الآب " مر 13: 32 .
- فمَنْ هنا الذى لم يكن يعلم ساعة مجيئه الثانى ، هل هو الله الكلمة المتجسد ؟ وهل يمكن تطبيق التعليم بأن المسيح لم يأتِ عملاً إلهياً إلا وكان الناسوت شريكاً فيه ، ولم يأتِ عملاً جسدياً إلا واللاهوت شريكاً به ؟؟ فهل كان اللاهوت هنا شريكاً للناسوت فى عدم معرفة ساعة مجئ ابن الإنسان ؟؟؟
• " خرجتُ من عند الآب ، وقد أتيتُ إلى العالم ، وأيضاً أترك العالم وأذهب إلى الآب " يو 16: 28 .
- هل المسيح بقوله " خرجتُ من عند الآب " يعنى أنه كان الله الكلمة المتجسد منذ الأزل ؟ أم أنه يتحدث عن أن ظهوره فى مكان ما لا يؤدى إلى انفصاله عن اللاهوت ، أو انفصاله عن أحد الأقنومين الآخرين ، بأى حال من الأحوال ؟؟ كما أن ظهوره فى الجسد لا يحد من لاهوته الموجود منذ الأزل مع الآب والروح القدس فى جوهر واحد .
• " لأن أبى أعظم منى " يو 14: 28 .
- إن هذا القول لا يصح على الطبيعة الإلهية ، بل يصح على الإله والإنسان معاً ، أى على المسيح باعتباره وسيطاً . فهل يمكن أن الله الكلمة المتجسد يقول إن الآب أعظم منه ؟ وهل يدل قول المسيح السابق – إن كان له طبيعة واحدة - على أنه أقل من الآب مقاماً ؟ إن المسيح لا يقصد بقوله هذا أن " الآب " أعظم منه من ناحية كونه " ابن الله الأزلى " ؛ لأنه من هذه الناحية هو واحدٌ مع الآب فى الجوهر . لذلك قال المسيح عن نفسه " أنا والآب واحد " ، و" أنا فى الآب والآب فىَّ " ، و " مَنْ رآنى فقد رأى الأب " ، و " لكى يكرم الجميع الإبن كما يكرمون الآب " . لكنه يقصد أن " الآب " أعظم منه ، من ناحية كونه " ابن الإنسان " .
• " بكى يسوع " .
- فكيف كان اللاهوت شريكاً مع الناسوت فى البكاء ، فى طبيعة واحدة ؟؟؟
• " أنا عطشان " .
- وكيف كان اللاهوت شريكاً مع الناسوت فى العطش ؟
• " إلهى إلهى ، لماذا تركتنى ؟ " مت 27: 46 .
- هل الذى نطق بهذا القول هنا هما اللاهوت والناسوت المتحدين معاً فى طبيعة واحدة ؟ وهل كان اللاهوت شريكاً للناسوت فى هذا القول ؟
- إن قول المسيح للآب " لماذا تركتنى ؟ " يدل على أنه لم ينطق به كابن الله ؛ لأنه من هذه الناحية هو واحدٌ مع الآب والروح القدس فى اللاهوت ، ولا انفصال له عنهما على الإطلاق . لكن مع ذلك هناك حالة واحدة يصح أن يُتْرَك فيها المسيح من الله ، وهى حالة وجوده كابن الإنسان للقيام بالتكفير عن خطايا العالم ، وهى الحالة التى يُعْتبَر فيها الإنسان يسوع المسيح أثيماً ، فيُترَك من الله عوضاً عن الخطاة ، ويحتمل كل ما يستحقونه من قصاص ، حتى يصيروا أبراراً ، ولهم حق الإقتراب من الله والتمتُّع به ، إن هم قبلوا كفارته ، وسلموا حياتهم له تسليماً كاملاً .
• " فصرخ يسوع أيضاً بصوت عظيم ، وأسلم الروح " مت 27: 51 .
- وماذا نقول : هل الذى مات هو الله الكلمة المتجسد ، ذو الطبيعة الواحدة ؟ لأن الموت هنا سيقع على الطبيعة الواحدة ، فهل يشمل الموت الله أيضاً ؟ أم أن الأصح أن نقول إن الذى مات هو جسد المسيح المتحد بلاهوته ؟
- إن نفس المسيح الإنسانية ذهبت إلى الفردوس متحدة بلاهوته ، وفى اليوم الثالث عادت النفس الإنسانية المتحدة باللاهوت إلى الجسد المتحد باللاهوت فكانت القيامة ! لأنه لا يمكن أن نقول – بحسب تعليم الطبيعة الواحدة إن الله قام من الأموات !!؟ لكن نجد الإنجيل يشير إلى أن الذى قام من الأموات هو ابن الإنسان ، أو يقول مراراً إن المسيح قام من الأموات .
• " فكم بالحرى يكون دم المسيح الذى بروح أزلى قدَّم نفسه لله بلا عيب ، يطهر ضمائركم من أعمال ميتة ، لتخدموا الله الحى " 9: 14 !
- والسؤال الذى يطرح نفسه هنا هو : هل الدم المقصود هنا هو " دم الطبيعة الواحدة " ، الله الكلمة المتجسد ؟ أم الأصح أن نقول إنه دم الناسوت المتحد باللاهوت فى شخص المسيح ؟
• " إنى أصعد إلى أبى وأبيكم ، وإلى إلهى وإلهكم " يو 20: 17 .
- إن السيد المسيح هو أحد أقانيم اللاهوت ، لكن بتجسده من جنسنا أصبحت له طبيعتان كاملتان هما : اللاهوت والناسوت . إن هاتين الطبيعتين متحدتان كل الإتحاد ، فمن حيث اللاهوت كان المسيح ولا يزال وسيظل إلى الأبد هو الله ، فهو " الكائن على الكل إلهاً مُبَاركاً إلى الأبد " رو 9: 5 . وأمَّا من حيث الناسوت فكان المسيح كأحد الناس ، ولذلك كان يدعو الله من هذه الناحية أباً وإلهاً له . وكان المسيح قد سمح أن يُعَلَّق على الصليب بوصفه " ابن الإنسان " ؛ لأن الكفارة تكون دائماً من نفس نوع المُكَفَّر عنه .
• " ولمَّا كانت عشية ذلك اليوم ، وهو أول الأسبوع ، وكانت الأبواب مغلقة ، حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود ، جاء يسوع ، ووقف فى الوسط ، وقال لهم : سلام لكم " يو 20: 19 ، 26 .
- والسؤال الذى يطرحه البابا شنودة الثالث هنا هو : مَنْ الذى دخل من الأبواب المغلقة : هل هو اللاهوت أم الناسوت ؟ أليس هذا دليلاً على وحدة الطبيعة ، ويجيب : إنه الله الكلمة المتجسد ، ذو الطبيعة الواحدة !!
- لكن تساؤلى هنا هو : لماذا اختار الرب يسوع هذه الطريقة ، وكان فى إمكانه أن يطرق الباب ؟؟؟ وسؤال آخر هو : لماذا لم يفعل المسيح هذا الأمر قبل القيامة إذا كان فى إمكانه ؟؟؟ الإجابة قالها بولس فى أصحاح القيامة عن جسد القيامة " يُزْرَع جسماً حيوانياً ، ويُقام جسماً روحانياً . يُوجَد جسم حيوانى ، ويُوجَد جسم روحانى ... وكما لبسنا صورة الترابى ، سنلبس أيضاً صورة السماوى " 1كورنثوس 15: 42-44 . لقد أراد الرب أن يثبت لتلاميذه أن له جسد القيامة الروحانى ، لأن هذا دليلٌ على قيامته من الأموات ، والجسد الروحانى يمكنه أن يدخل من الأبواب المغلقة . فالمسألة هنا ليست متعلقة بلاهوت المسيح واتحاده بناسوته ، لأن اللاهوت لم يطرأ عليه شئ عند موت جسد المسيح ، لكن الأمر يتعلق بما طرأ على ناسوت المسيح بعد قيامته ، أنه صار جسداً روحانياً ، مع أن هذا الجسد كان له لحم وعظام ، وكان يأكل أيضاً ما دام على الأرض لو 24: 39-43 .
- إذن اختلط الأمر على البابا فى جسد يسوع قبل القيامة وجسده بعد القيامة ، وظن أن جسده قبل القيامة هو جسده بعدها !
- أخيراً ، من اللائق أن نقول إن شخص المسيح هو طبيعتان ، والطبيعتان متميزتان غير منفصلتين ، بل متحدتين اتحاداً " شخصياً " فى أقنوم واحد ، فيكون اتحاد الطبيعة البشرية بالطبيعة الإلهية لأقنوم الإبن اتحاداً " شخصياً " وليس " أقنومياً " ، اتحاداً بلا اختلاط ، ولا امتزاج ، ولا استحالة .