يَكْمُنُ الْخِلاف الشَّديد بَيْنَنَا وَبَيْنَ الكنائس التَّقليدِيَّة فِي مَوضُوع «الْعَشَاء الرَّبَّانِيّ» فِي مَسْأَلَةِ مَا نُسَمّيه «فَاعِليَّة الْعَشَاء الرَّبَّانِيّ» عِنْدَ الْمُتَناولين.
وَهُنَا نَضطر إِلَى طَرح الآراء الْأَرْبعة بِشَأْنِ هَذِهِ الْفريضة، وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْهَا، ككنيسة إِنجيليَّة مشيخيَّة، وَبِمَاذَا نُؤْمِنُ بِالتَّحديدِ طِبْقًا لِكَلِمَةِ الله الْمُقَدَّسة:
1- رَأْي الكنائس التَّقليدِيَّة:
تُؤْمِنُ الكنائس التَّقليدِيَّة بِمَسْأَلَةِ «التَّحَوّل» الْفِعْلِيّ وَالحقيقيّ لِلْفَرِيضةِ إِلَى جَسَدٍ حقيقيٍّ وَدَمٍ حقيقيٍّ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْكَاهِن مِنْ تِلَاوَةِ «الْقُدَّاس الإِلَهِيّ»، وَخَاصَّةً عِنْدَ الْعِبَارَةِ الَّتِي تَقُولُ: «هَذَا هُوَ جَسَدِي». وَهُنَا يَتَحوَّلُ الْخُبْزُ وَالْخَمْرُ إِلَى جَسَدٍ حَقيقيٍّ وَدَمٍ حَقيقيٍّ. هَذَا هُو رَأْيُ الكنيسة التَّقليدِيَّة. وَنَحْنُ لَا نُؤْمِنُ بِهِ عَلَى الإِطْلَاقِ لِأَنَّهُ غَيْر كِتَابِي، لِلْأَسْبَابِ الآتية:
أَوَّلًا- إِنَّهُ يَتَعَارضُ مع الحواسِ الخارجِيَّة للإِنْسَانِ، مِثْلَ الْبَصَرِ وَالشَّمِّ وَاللَّمسِ. ولكن إِذَا قِيلَ كما ادَّعَتْ الكنائس التَّقليدِيَّة بِأَنَّ التَّغيير يَحْدُثُ في جوهرِ الْخُبْزِ وَالْخَمْرِ، وَلَيْسَ فِي الأَعْرَاضِ الخارجيَّة، فَهذا يَتَعَارضُ مع المنطقِ الطَّبيعِيِّ، لِأَنَّ تَحَوَّلُ الْجَوْهَر يَقْتَضِي تَحَوَّل الْعَرَض مِنَ الْخَارِجِ. فَإنَّ أَيَّ مَادَةٍ مَلْمُوسة وَمَحْسُوسة مِثْل الْخُبْزِ وَالْخَمْرِ إِذَا تَحَوَّلتْ إِلَى شَيْءٍ آخر فِي جوهرِهَا، يَلْزَمُ هَذَا تَحَوُّلٌ فِي العرضِ الخارجيِّ أَيْضًا، وَمِنْ ثَمَّ يَجب أَنْ نَرَى جَسَدًا حقيقيًّا وَدَمًا حقيقيًّا أَمَامَ أَعْيُنِنَا. لَكِنْ إِذَا قُلنَا أَنَّ الْأَمْرَ يَتَوقَّفُ على إِيمانِنَا فَنَحْنُ نَخدعُ أَنْفُسَنَا وَنَكْذِبُ عَلَى النَّاسِ. فَعِنْدَمَا يَتَحوّلُ الأَلمونيوم مَثَلًا إِلَى نُحَاسٍ، يَلْزَمُ أَنْ تُصِبِحَ صِفَاتُهُ صِفَات نُحَاسٍ حَقِيقيَّة، وَيَتَحَوَّلُ مِنَ الْخَارِجِ إِلَى اللَّونِ الأَصْفر، وَهُوَ لَونُ النُّحَاس بَدَلًا مِنَ اللَّونِ الأَبيض وَهُوَ لَونُ الأَلمونيوم.
ثَانِيًا- إِنَّهُ يَتَعَارضُ مَعَ فِكْرِ الكنيسة الأُولَى كَمَا نَراهُ فِي سِفْرِ أَعْمَال الرُّسل وَالآباءِ الأَوَّلِين:
فَلا نَجِدُ تَلْمِيحًا أَوْ تَصْرِيحًا في أَيِّ رِسَالةٍ مَثَلًا للرَّسُولِ بُولُس بِأَنَّ هذا جَسَدٌ حَقِيقيٌّ وَدَمٌ حَقِيقيٌّ حَتَّى إِنَّ بُولُس الرَّسولُ يَقُولُ: «كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هَذَا الْخُبْزَ, وَشَرِبْتُمْ هَذِهِ الْكَأْسَ، تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِئَ.» (1كُو11: 26).
أَرْجُو أَنْ نُلَاحِظَ أَنَّ بُولُس يَقُولُ عَنْ عُنْصُرَيِّ الْفَرِيضة: «هَذَا الْخُبْز, وَهَذِهِ الْكَأْس». كَانَ بِالْأَولَى أَنْ يَقُولَ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هَذَا الْجَسَدَ وَشَرِبْتُمْ هَذَا الدَّم، لَوْ كَانَ هَذَا فِعْلًا جَسَدًا حقيقيًّا وَدَمًا حَقيقيًّا كَمَا تُؤْمِنُ الكنائس التَّقليديَّة. لكنَّهُ لَمْ يَقُلْ هَذَا عَلَى الإِطلاقِ.
كَمَا أَنَّ الآباء الأَوَّلِين لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا عَلَى الإِطْلَاقِ.
الْقِدِّيس «أَثَناسيُوس الرَّسُولِي» قَاَل عَام (370 م) فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الإِصحاح السَّادِس مِنْ إِنجيلِ يُوحَنَّا، وَهُوَ الإِصحاح الَّذِي تَبْنِي عَليهِ الكنيسة التَّقليديَّة رَأْيهَا -وَهُوَ لَا عَلاقة لَهُ بِالْمَرَّةِ بِالْعَشَاءِ الرَّبَّانِيِّ- «إِنَّ مُنَاولةَ جَسَد الْمَسِيحِ وَدَمِهِ حَقِيقةً أَمْرٌ لَا يُقْبَل. وَلَكِن هَذِهِ الآيات الَّتِي نَطَقَ بِهَا الْمَسِيحُ تُفْهَمُ رُوحِيًّا.»
كَمَا قَالَ أَيْضًا «الْقِدِّيس أُغسطِينُوس» عَام (240 م): «قَولُ الْمَسِيح أَنَّهُ يُعطينَا جَسَدَهُ لِنَأْكُلَ لَا يَجُوزُ فَهْمهُ جَسَدِيًّا، لِأَنَّ نِعْمَتَهُ لَا تُقْبَلُ بِالْأَسْنَانِ.»
ثَالِثًا- عَقِيدةُ التَّحَوّل هَذِهِ لَمْ تَظْهَرْ إِلَّا فِي «الْمَجْمَع النِّيقوي الثَّانِي» عَام (787 م).
وَظَهَرَتْ فِي الكنيسة الكاثولكيَّة كَعَقِيدَةٍ رَسْمِيَّة فِي «مَجْمَعِ اللَّاتران الرَّابع» عَام 1215 م. وَلَمْ تَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ عَقِيدة رَاسِخة فِي إِيمَانِ الكنيسة المسيحيَّة مُنْذُ بِدَايَةِ تَكْوينِهَا.
2- رَأْي زِونْجلِي:
يُؤْمِنُ زِونْجلِي بِأَنَّ العشاءَ الرَّبَّانِيّ مُجَرَّدُ ذِكْرَى تَارِيخِيَّة لِمَوْتِ الْمَسِيحِ وَصَلِيبهِ لا أَكْثَر وَلَا أَقَلّ. وَنَحْنُ نَرْفُضُ هَذَا الرَّأْي وَلَا نُؤْمِنُ بِهِ، حَيْثُ أَنَّ العشاءَ الرَّبَّانِيّ بِلَا شَكّ أَكْثَرُ مِنْ مُجَرَّدِ ذِكْرَى تَارِيخِيَّة.
3- رَأْي لُوثر:
أَراد لُوثر التَّوفِيق بَيْنَ رَأي الكنيسة التَّقليديَّة وَزِونْجِلي؛ فَقَالَ مَا مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَسِيحَ يَحِلُّ حَقِيقةً فِي الْمَائِدَةِ -وَلَيْسَ مُجَرَّد ذِكْرَى- حُلُولًا جَسَدِيًّا، فِي حِين يَبْقَى عُنْصُرا الْفَرِيضةِ دُونَ تَغْييرٍ فِي مَادَتِيهمَا. وَنَحْنُ نَتَناولُ بالإِيمانِ جَسَدَ الرَّبِّ وَدَمَهُ، وَبِهَذَا يُصْبِحُ لِلْخُبْزِ وَالْكَأْسِ فَاعِلِيَةً ذَاتِيَّة. وَنَحْنُ نَرْفُضُ هَذَا الرَّأْي لِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ رَأْي الكنيسة التَّقليدِيَّة، فَلَيْسَ لِلْعَشَاءِ الرَّبَّانِي فَاعِلِيَة ذَاتِيَّة فِي مَادةِ صُنعِهِ, لِأَنَّ الْفَاعِلِيةَ الذَّاتِيَّة تَنْفِي دَورَ الإِيمانِ عِنْدَ الْمُتَناول.
4- رَأْي كَالفِن: (وَهُوَ رَأْي الكنيسة المشيخيَّة):
يَرَى كَالفِن أَنَّ الْمَسِيحَ يَحْضُرُ حُضُورًا رُوحِيًّا وَلَيْسَ جَسَدِيًّا، لِيُصَاحِبَ إِجْرَاء الْفَرِيضة، وَلَا يَحْدُثُ أَيُّ نَوعٍ مِنَ التَّغييرِ فِي الْخُبْزِ وَالْخَمْرِ عَلَى الإِطْلَاقِ، بَلْ يَبْقيانِ كَمَا هُمَا، لَكِنَّ الرُّوح الْقُدُس يَقُومُ بِتَوصِيلِ الْبَرَكَاتِ وَالْفَوِائد الرُّوحِيَّة الْمُبَاركة لِلْمُتَنَاولِ بِالإِيمَانِ فَقَطْ، وَلَيْسَ لِكُلِّ الْمُتَنَاولِينَ مِنْهُ. فَلَيْسَ إِذًا لِلْعَشَاءِ الرَّبَّانِيّ أَيّ فَاعِلِيَةٍ ذَاتِيَّةٍ فِيهِ بَلْ هُنَاك فَاعِلِيَة رُوحِيَّة لِمَنْ يَتَناولهُ بِالإِيمانِ.
فَنَحْنُ لَا نُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مُجَرَّدُ ذِكْرَى تَارِيخِيَّة فَقَطْ، وَلَا نُؤمِنُ بِحُضُورٍ جَسَدِيٍّ أَوْ بِحُلُولٍ جَسَدِيٍّ، بَلْ بِحُضُورٍ رُوحِيٍّ يُصَاحِبُ الْفَرِيضة عِنْدَ الْقِيامِ بِإِجْرَائِهَا. هَذَا مَا تُؤْمِنُ بِهِ كنيستُنَا المشيخيَّة.
إِذًا لِمَاذَا يُنَادِي الْبَعض بِحُضُورٍ حَقِيقيٍّ وَجَسَدِيٍّ لِلْمَسِيحِ، وَأَنْ كُلَّ مَنْ يَتَنَاول مِنَ الْفَريضَةِ يَتَنَاولُ حَقيقةً مِنْ جَسَدِ الْمَسِيحِ وَدَمِهِ. وَمِنْ أَيْنَ أَتينَا بِهَذَا الْفِكْرِ غَيْر الْكِتَابِيِّ عَلَى الإِطلاقِ؟
وَهُنَا أُرَكِّزُ بِنِعْمَةِ المسيح فَقَطْ عَلَى مَا نَخْتَلِفُ فِيهِ مَعَ الكنائس الأُخْرَى، وَمَا يُنَادَى بِهِ الْيَوْم مِنْ أَخْطَاءٍ بِشأْنِ الْفَرِيضة؛ وَلِذَا رَأيْتُ أَنْ أَذْكُرَ بَعْضَ الْمَخَاطِرِ الَّتِي أَرَاهَا شَخْصِيًّا تَقْتَرِنُ بِعَقيدةِ الاسْتِحَالَةِ وحُلُول الْمَسِيح جَسَدِيًّا فِي الْفَرِيضَةِ وَلَيْسَ حضُورهُ رُوحِيًّا كَمَا تُؤْمِنُ كنيستُنَا المشيخيَّة :
الْخَطَرُ الْأَوَّل: تَحَوّلُهَا إِلَى «ذَبِيحَةٍ» لِغُفْرَانِ الخطايَا للأَحْيَاءِ وَالأَمواتِ. فَبِحَسَبِ فِكْرِ الكنيسة التَّقليديَّة هِيَ «ذَبِيحَةٌ غَيْر دَمَويَّةٍ». ثُمَّ إِنَّ ذَبِيحَةَ الْمَسِيحِ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَتَكَرّرَ بَعْدَ تَقْدِيمِهَا مَرَّة وَاحِدَة وَإِلَى الْأَبَدِ عَلَى الصَّلِيبِ (عِبْ7 : 27؛ 9: 12, 26, 28؛ 10: 10, 14) .ثُمَّ إِنَّهُ «بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لَا تَحْصُلُ مَغْرِفَةٌ.» (عِبْ9 : 22) .وَأَتَسَاءلُ أيضاً كَيْفَ هَذَا وَالْكِتَابُ يُعْلِنُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ مَوْت الْخَاطِئ تَنْتَهِي فُرْصَةُ التَّوْبَةِ؟
الْخَطَرُ الثَّانِي: تَقْدِيسُ الذَّبيحةِ إِلَى حَدِّ «التَّأْلِيه»، حَتَّى إِنَّنَا نَسْمَعُ أَنَّ الْكَهَنَةَ يَسْجُدُونَ لِلْفَرِيضَةِ بَعْدَ تَحَوّلِهَا إِلَى ذَبيحَةِ الْمَسِيحِ حَسَبَ مَفُهومِهِمْ، وَأَنَّهَا تَشْفِي مِنَ الْمَرَضِ, وَأَنَّ كَثِيرِينَ يَتَنَاولُونَهَا قَبْلَ التَّقَدُّمِ لِأَيِّ مَشْرُوعِ زَواج أَو لأَيِّ مَشْرُوعٍ مَادِيٍّ أَوْ طَلَبًا لِلنَّجَاحِ فِي الامْتِحَانَاتِ ...إِلخ .
الْخَطَرُ الثَّالث: الْفَاعِلِيَّة الذَّاتِيَّة لِلْفَرِيضَةِ. وَفِي الْوَاقعِ لَا يُوْجَدُ فَاعِلِيَّة ذَاتِيَّة لِلْفَرِيضَةِ بَلْ فَاعِلِيَّتُهَا تَتَوقَّفُ عَلَى تَنَاولِهَا بالإِيمانِ لَدَى الْمُتنَاول الَّذِي يُؤْمِنُ بِأَنَّ الْمَسِيحَ يَحْضُرُ رُوحِيًّا وَلَيْسَ جَسَدِيًّا فِي الْمَائِدَةِ. الْفَاعِلِيَّةُ الذَّاتِيَّة لِلْفَرِيضَةِ تَنْفِي تَمَامًا دَورَ الإِيمَانِ، فَسَواء لَدَيكَ إِيمان أَمْ لَا -بِحَسَبِ الفَاعِلِيَّة الذَّاتِيَّة- يَجِب أَنْ تُؤَثِّرَ الْمَائِدَةُ فِيكَ، وَهَذَا خَطَأٌ كَبِيرٌ وَغَيْرُ كِتَابِيٍّ بِالْمَرَّةِ.
الْخَطَرُ الرَّابع: إِذَا قُلْنَا إِنَّ الْمَسِيحَ يَحْضُرُ جَسَدِيًّا، فَإِنَّ جَمِيعَ عَناصرِ الْعِبَادة الأُخْرَى مِنْ تَسْبِيحٍ وَصَلَواتٍ وَوَعْظٍ وَتَعْلِيمٍ لَا قِيمَة لَهَا بِالْمَرَّة، لِأَنَّهُ يَكْفِي أَنَّنَا تَنَاولنَا جَسَدًا حَقِيقيًّا وَدَمًا حقيقيًّا، وَمِنْ ثَمَّ لَسْنَا فِي حَاجَةٍ بَعْدُ إِلَى مُمَارَسَةِ أَيّ وَسِاطَةٍ أُخْرَى مِنْ وَسَائِطِ النِّعْمَةِ .
الْخَطَرُ الْخَامِس: بَعْض الْخُرَافَاتِ الْمُرْتَبِطة بِهَذَا الاعْتِقَادِ مِثْل إِذَا وَقَعَتْ قِطْعَةٌ صغِيرَةٌ مِنَ الْخُبْزِ عَلَى الأَرْضِ، فَكَأَنَّ جَسَد الْمَسِيحِ نَفْسه سَقَطَ، أَوْ إِذَا سَقَطَتْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ الْخَمْرِ، فَكَأَنَّ دم يَسُوع نَفْسه سَقَطَ عَلَى الأَرْضِ، وَهَذَا بِالطَّبع إِهَانَةٌ لِجَسَدِ الرَّبِّ وَدَمِهِ. لَقَدْ سَمِعْتُ أَنَا شَخْصِيًّا أَنَّ أَحَدَ الْكَهَنَةِ عِنْدَمَا سَقَطَتْ نُقْطَةُ خَمْرٍ عَلَى الْأَرْضِ قَامَ بِارْتِشَافِهَا بِفَمِهِ، وَهَذَا مَا رَواهُ لِي أَحَدُ الأَشْخَاصِ الَّذِينَ شَاهدُوا هَذَا الْأَمْر، مَعَ كَامِلِ تَقْدِيرِنَا وَاحْتِرَامِنَا لْمُعْتَقَدَاتِ الآخرين .
أَمَّا الْآن مَاذَا عَنْ فَوَائِد الْمَائِدَة الرُّوحِيَّة؟ نُلَخِّصُ وَنَخْتَصِرُ فَوَائِدهَا فِي ثَلَاثَةِ أَزْمِنة :
فِي الْمَاضِي: ذِكْرَى لِمَوْتِ الْمَسِيحِ، كَمَا ذَكَرَ يَسُوعُ بِنَفْسِهِ «اصْنَعُوا هَذَا لِذِكْرِي». نَحْنُ لَا نَقُولُ إِنَّهَا مُجَرَّدُ ذِكْرَى فَقَطْ، بَلْ تَتَضَمَّن الذِّكْرَى، وَلَكِنَّهَا أَكْبَر مِنْ مُجَرَّدِ ذِكْرَى تَارِيخِيَّة، إِذْ لَهَا فَاعِلِيَّة رُوحِيَّة كَمَا أَوضحنَا سَابِقًا. وَبِالتَّالي يَجِب أَنَّ يَكُونَ الَّذينَ يَتَقَدَّمُونَ إِلَى الْمَائِدَةِ هُمْ الَّذِينَ حَصَلُوا عَلَى الْخَلَاصِ بِدَمِ الْمَسِيحِ، أَي الْمُؤْمِنِينَ بِهِ. فَهِي لَا تَمْنَحُ أَيَّ خَلَاصٍ بَلْ هِيَ للذَّينَ خَلِصُوا فَقَطْ .
فِي الْحَاضِرِ : شَرِكَةٌ وَشَهَادَةٌ. شَرِكَةٌ كَمَا قَالَ بُولُس الرَّسُول فِي (1كُو10 : 17) «فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ، جَسَدٌ وَاحِدٌ، لِأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي الْخُبْزِ الْوَاحِدِ.» فَعِنْدَمَا يَجْلِسُ الْمُؤْمنين وَيَلْتَفُّونَ حَول الْمَائِدَةِ يُعْلِنُون بِهَذَا عَنْ وِحْدَتِهِمْ وَشَرِكَتِهِمْ فِي الْجَسَدِ الْوَاحِدِ أَثْنَاء الْعِبَادَةِ .
أَمَّا عَنِ الشَّهَادَةِ: فَيَقُولُ بُولُس فِي (اكُو11: 26) «فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هَذَا الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هَذِهِ الْكَأْسَ تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِئَ.» وَهَذِهِ الآية يُمْكِنُ أَنْ تَعْنِي أَمْرَيْنَ:
الْأَوَّل: وَنَحْنُ نَتَنَاولُ مِنَ الْفَرِيضَةِ نَفْسَهَا نُعْلِنُ عَنْ مَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِئَ.
وَالْأَمْرُ الثَّانِي: بِالتَّنَاولِ مِنَ الْفَرِيضَةِ نَهْتَمُّ وَنُدْرِكُ مَسْئوليّتَنَا عَنِ الشَّهَادَةِ وَالْمُنَادَاةِ بِمَوْتِ الْمَسِيح .
فِي الْمُسْتقبل: الإِشَارةُ إِلَى مُسْتَقْبَلِ الكنيسة. فَفِي (لُوقَا22: 16) قَالَ يَسُوعُ: «لِأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي لَا آكُلُ مِنْهُ حَتَّى يُكْمَلَ فِي مَلَكُوتِ اللهِ.» وَهَكَذَا عَنِ الْكَأْسِ أَيْضًا فِي عَدَدِ 18 مِنْ نَفْسِ الإِصْحَاح.
كَيفِيَّةِ التَّنَاول
أَمَّا عَنْ كَيفِيَّةِ التَّنَاول فَيَجِب أَنْ نَقْتَرِبَ مِنَ الْفَرِيضَةِ بِالإِيمانِ بِمَوْتِ الرَّبِّ يَسُوع الْمَسِيح، وَكَمَا قَالَ بُولُس فِي (1كُو11: 29) «لِأَنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ بِدُونِ اسْتِحْقَاقٍ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ دَيْنُونَةً لِنَفْسِهِ، غَيْرَ مُمَيِّزٍ جَسَدَ الرَّبِّ.» وَلَا يَعْنِي هَذَا اسْتِحْقَاقٌ ذَاتِيٌّ لِأَنَّنَا جَمِيعَنَا غَيْر مُسْتَحِقِّينَ. بَلْ اسْتِحْقَاق دَمِ الْمَسِيحِ نَفْسهِ، وَهَذَا يَعْنِي أَنْ نَكُونَ مُقَدِّرينَ لِمَوْتِ الْمَسِيحِ عَلَى الصَّلِيبِ لِأَجْلِنَا. وَلَا نَظِنُّ أَنَّ الْمَائِدَةَ مُجَرَّد «طَعَامٍ عَادِيٍّ» كَلَّا بَلْ إِنَّهَا شَيءٌ مُخْتَلفٌ، وَإِلَّا جَلَبْنَا دَيْنُونَةً لِأَنْفُسِنَا. وَيَجِبُ أَنْ نَمْتَحِنَ أَنْفُسَنَا قَبْلَ التَّقَدُّمِ إِلَى الْمَائِدَةِ. (1كُو11: 28).