مزمور 23 هو شعار الإيمان والحياة في ظل الظروف الصعبة، منه نتعلم شجاعة الحياة. آفة الحياة هي الخوف، وفي زمن الوباء دخلنا في عصر يُسَمَّى بعصر الخوف. خوف الإنسان من الإنسان في العدوى، الخوف من الإصابة بالوباء، وفي الإصابة بالوباء الخوف من الموت. الخوف من كل شيء من المرض، المخاطر، الاحتياج، التقلبات الفجائية في الحياة. الخوف عامل مدمر للحياة، فهو يشل إرادة الإنسان. هناك شخص تعرض لمخاطر وصعوبات في الحياة لكنه رفع شعار رغم الظرووف الصعبة والقاسية "لاَ أَخَافُ"، وأنشد هذ هذه الكلمات:
"الرَّبُّ رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوِزُنِي شَيْءٌ. فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي. إِلَى مِيَاهِ الرَّاحَةِ يُورِدُنِي. يَرُدُّ نَفْسِي. يَهْدِينِي إِلَى سُبُلِ الْبِرِّ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ. أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي. تُرَتِّبُ قُدَّامِي مَائِدَةً تُجَاهَ مُضَايِقِيَّ. مَسَحْتَ بِالدُّهْنِ رَأْسِي. كَأْسِي رَيَّا. إِنَّمَا خَيْرٌ وَرَحْمَةٌ يَتْبَعَانِنِي كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي، وَأَسْكُنُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ إِلَى مَدَى الأَيَّامِ." (مز 23: 1- 6).
وأنشد أيضًا هذه الكلمات في مزمور 27 هذه الكلمات: "َالرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ الرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ؟عِنْدَ مَا اقْتَرَبَ إِلَيَّ الأَشْرَارُ لِيَأْكُلُوا لَحْمِي، مُضَايِقِيَّ وَأَعْدَائِي عَثَرُوا وَسَقَطُوا. إِنْ نَزَلَ عَلَيَّ جَيْشٌ لاَ يَخَافُ قَلْبِي. إِنْ قَامَتْ عَلَيَّ حَرْبٌ فَفِي ذلِكَ أَنَا مُطْمَئِنٌّ." (مزمور 27: 1- 3).
من الملاحظ أنَّ قوة الإنسان تبدأ من الداخل، لا يخاف قلبي، فلا يبنى السلام على الخارج مهما كان، ولكن من الداخل حتى وفي أسوأ الظروف. والسؤال الذي يمكن أن نطرحه: لماذا لا نخاف؟ لماذا لا يخاف قلبي؟ قدَّم المزمور خمسة أسباب أساسية لعدم الخوف، حين نتأمل فيهم نطمئن (الرعاية، المعية، التعزية، الخير، الرحمة)، وهي:
- رعاية الله الصالحة
- معية الله الدائمة
- تعزية الله المستمرة
- خيرات الله الوفيرة
- رحمة الله الشاملة
السبب الأول: رعاية الله الصالحة
علاقة الله بشعبه وأبنائه نجدها في الصورة الرائعة والمتميزة "الراعي" يقول المختبر: "الرَّبُّ رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوِزُنِي شَيْءٌ. فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي. إِلَى مِيَاهِ الرَّاحَةِ يُورِدُنِي. يَرُدُّ نَفْسِي. يَهْدِينِي إِلَى سُبُلِ الْبِرِّ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ." (مزمور 23: 1- 3). وأيضًا وأيضًا في صورة "الأب" "فَقَالَ لَهُمْ: «مَتَى صَلَّيْتُمْ فَقُولُوا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ، لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ، لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ." (لو 11: 2). وكلاهما يقول إنَّ هذا الإلله يمكن الاعتماد عليه والثقة فيه.
مهمة الرعي هي الاهتمام برعيته "أَمَّا أَنَا فَمِسْكِينٌ وَبَائِسٌ. الرَّبُّ يَهْتَمُّ بِي. عَوْنِي وَمُنْقِذِي أَنْتَ. يَا إِلهِي لاَ تُبْطِئْ." (مز 40: 17). اهتمام الله الرعي بشعبه يتمثل في أمرين هما: الشبع المادي "فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي. إِلَى مِيَاهِ الرَّاحَةِ يُورِدُنِي" (آ 2)، والشبع الروحي: . يَرُدُّ نَفْسِي. يَهْدِينِي إِلَى سُبُلِ الْبِرِّ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ. (آ 3). في إنجيل يوحنا الأصحاح العاشر يقول المسيح عن نفسه: "أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ." (يو 10: 11).
عندما ندرك رعاية الله لنا فنحن ندرك حكمة القيادة والإرشاد وعدم التخبط أو الفوضى، فالله يقودنا، الله يحمينا، فهو الراعي الصالح. وهذاالمعرفة تقودنا إلى الاستماع له والتبعية الحقيقة ورائه: "خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي." (يو 10: 27). وقد عرفت مريم المسيح حين دعاها باسمها، "قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا مَرْيَمُ» فَالْتَفَتَتْ تِلْكَ وَقَالَتْ لَهُ: «رَبُّونِي!» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: يَا مُعَلِّمُ." (يو 20: 16).
السبب الثاني: معية الله الدائمة
من وادي الراحة والشبع والهداية إلى وادي ظل الموت هكذا ينتقل المختبر وهكذا ننتقل نحن، فالحياة لا تستمر في وادي الراحة ولكن يأتي وادي ظل الموتن في هذا الوادي الصعب يقول: أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي. (آ 4).
الرعي متواجد مع رعيته، يقودهم، يشيع احتياجاتهم الروحية والجسدية، قد تتعرض الخراف للمخاطر، وقد عاش داود هذه الخبرة: " فَقَالَ دَاوُدُ لِشَاوُلَ: «كَانَ عَبْدُكَ يَرْعَى لأَبِيهِ غَنَماً, فَجَاءَ أَسَدٌ مَعَ دُبٍّ وَأَخَذَ شَاةً مِنَ الْقَطِيعِ. فَخَرَجْتُ وَرَاءَهُ وَقَتَلْتُهُ وَأَنْقَذْتُهَا مِنْ فَمِهِ. وَلَمَّا قَامَ عَلَيَّ أَمْسَكْتُهُ مِنْ ذَقْنِهِ وَضَرَبْتُهُ فَقَتَلْتُهُ. قَتَلَ عَبْدُكَ الأَسَدَ وَالدُّبَّ جَمِيعاً. وَهَذَا الْفِلِسْطِينِيُّ الأَغْلَفُ يَكُونُ كَوَاحِدٍ مِنْهُمَا لأَنَّهُ قَدْ عَيَّرَ صُفُوفَ اللَّهِ الْحَيِّ». وَقَالَ دَاوُدُ: «الرَّبُّ الَّذِي أَنْقَذَنِي مِنْ يَدِ الأَسَدِ وَمِنْ يَدِ الدُّبِّ هُوَ يُنْقِذُنِي مِنْ يَدِ هَذَا الْفِلِسْطِينِيِّ». فَقَالَ شَاوُلُ لِدَاوُدَ: «اذْهَبْ وَلْيَكُنِ الرَّبُّ مَعَكَ». (1 صم 17: 34- 37).
الإيمان بمعية الله تقود للثقة فيه والقول بكل يقين لأ أخاف شرًا لأنك أنت معي، "«هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا." (مت 1: 23). "وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ." (مت 28: 20). "فَمَاذَا نَقُولُ لِهذَا؟ إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟" (رو 8: 31).
السبب الثالث: تعزية الله المستمرة
الله يشبع ويهدي ولكن في نفس الوقت يعزي: "عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي" (آ 4أ)، التعزية هنا في الوادي الصعب، وادي ظل الموتن التعزية لم تأت في وقت رخاء أو هدوء أو راحة، لكن التعزية جاء في الوقت الصعب. هذا المزمور لم يتكلم أن التعزية أتته وهو في العبادة في ظل العبادة الصاخبة، لكن الموقف مختلف. وادي ظل الموت هو وادي المحن والتجارب والمصائب والكوارث والظلمات التي كانت تحيط به.
التعزية من خلال فهم كلمة الله ووجود الله داخل الشخصن العصا والعكاز للرد وللتوجيه لعدم الحياة علن الطريق والالتزام بالسير وراء الراعي. عندما نتوجه من خلال الكلمة نتعزى. "هذِهِ هِيَ تَعْزِيَتِي فِي مَذَلَّتِي، لأَنَّ قَوْلَكَ أَحْيَانِي." (مز 119: 50).
نتعزى من خلال الكلمة ونتعزى أيضًا من خلال عمل الروح القدس الروح القدس المعزي يمكث معنا يدوم فينا "وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ." (يو 14: 26).
إن سرت في الوادي وادي ظلال الموت
فلا أخاف أبدًا أنت معي بدوت
عكازك القوي يا رب يحميني
عصاك لي مرشدة بها تعزيني
السبب الرابع: خيرات الله الوفيرة
قال المختبر: "تُرَتِّبُ قُدَّامِي مَائِدَةً تُجَاهَ مُضَايِقِيَّ. مَسَحْتَ بِالدُّهْنِ رَأْسِي. كَأْسِي رَيَّا. إِنَّمَا خَيْرٌ وَرَحْمَةٌ يَتْبَعَانِنِي كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي، وَأَسْكُنُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ إِلَى مَدَى" (أ 4- 5). الخير والرحمة يتبعانني، ما أروع هذه الصورة، الخير كل ما هو صالح، هو المخاطبة الطيب: "قُولُوا لِلصِّدِّيقِ خَيْرٌ! لأَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ ثَمَرَ أَفْعَالِهِمْ." (إش 3: 10).
ومن إحسانات الله: "الَّذِي يُشْبعُ بِالْخَيْرِ عُمْرَكِ، فَيَتَجَدَّدُ مِثْلَ النَّسْرِ شَبَابُكِ." (مز 103: 5). وقال الرسول بولس بلغة اليقين: "وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ." (رو 8: 28). "وَالْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ الْقُوَّةِ الَّتِي تَعْمَلُ فِينَا،" (أف 3: 20).
تشبيه "كَأْسِي رَيَّا" مأخوذة من تعامل المضيف على الضيف في المائدة، يقدم المضيف الطعام والماء، وعين المضيف على كوب الماء في حال أنَّه ينقص يقوم المضيف بلمئه باستمرار، وهكذا يتعامل الله معنا فيفيض فينا بغتناه ونعمته.
السبب الخامس: رحمة الله الشاملة
تعلن كلمة الله عن وجه الله الرحيم "الرَّبُّ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ." (مز 103: 8). وبصورة اختبارية ملموسة "الَّذِي يَفْدِي مِنَ الْحُفْرَةِ حَيَاتَكِ. الَّذِي يُكَلِّلُكِ بِالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ." (مز 103: 4). الله رحيم بالإنسان ويعامله بالرحمة، ورحمته واسعة شاملة. الله الرحيم الذي يرحمنا يجعلنا أن لا نقسوا على بعضنا البعض ونرفض مجتمع العنف والقسوة.
في اختبار بولس يعلن أنه رُحِمْ "أَنَا الَّذِي كُنْتُ قَبْلًا مُجَدِّفًا وَمُضْطَهِدًا وَمُفْتَرِيًا. وَلكِنَّنِي رُحِمْتُ، لأَنِّي فَعَلْتُ بِجَهْل فِي عَدَمِ إِيمَانٍ." (1 تي 1: 13). الله هو الذي يرد، وهو الذي يرحم. وتكون الصلاة دائمًا "اِرْحَمْنِي يَا اَللهُ حَسَبَ رَحْمَتِكَ. حَسَبَ كَثْرَةِ رَأْفَتِكَ امْحُ مَعَاصِيَّ." (مز 51: 1).
شجاعة الحياة ترفع شعار لا أخاف وهذا يبنى على: رعاية الله الصالحة، معية الله الدائمة، تعزية الله المستمرة، خيرات الله الوفيرة، رحمة الله الشاملة. مازالت هذه الأمور متاحة ومتوفرة وقريبة لنا ونستطيع أن نحصل عليها ونعيش بمقتضاها.
لا أخافْ لًا أخافْ
أيَّ شرٍ بوادي الظلامْ
فمعِي راعٍ أمينْ
ماسكٌ يدي اليمينْ
فيِه لِي راحةٌ وسلامْ