إن الفكر اللاهوتي للكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر هو الفكر الإنجيلي المُصلَح، ورغم أن البعض يصف عقيدة الكنيسة الإنجيلية بالعقيدة المشيخية، إلا أن «المشيخية» كلمة تصف نظام الكنيسة لا عقيدتها وفكرها اللاهوتي.
وبالرجوع إلى دستور الكنيسة الإنجيلية بمصر، طبعة 1985، والمادة 33 – في نظام الكنيسة – نجدها تقول: «إن النظام المشيخي لسياسة الكنيسة مطابق للكتاب المقدس «، والمادة 107 والتي تقول: «إن النظام المشيخي هو النظام المتضمن في العهدين القديم والجديد وهو أساس هذا الدستور «وغير ذلك.
فالمشيخية نظام لا عقيدة؛ فنظام كنيستنا يقوم على فكرة أن المشرفيين على الخدمة في الكنيسة هم شيوخ؛ سواء أكانوا شيوخًا معلمين (قسوس) أم شيوخًا مدبرين، كقول الكتاب المقدس في رسالة بطرس الرسول الأولى «أطلب إلى الشيوخ الذين بينكم أنا الشيخ رفيقهم (... ) ارعوا رعية الله التي بينكم» (5 : 1، 2).
أما عقيدة الكنيسة أو فكرها اللاهوتي فهو الفكر اللاهوتي المُصْلَح، النابع من التراث الإنجيلي المُصْلَح والذي لابد لنا أن نعرف أنه يختلف عن: التراث الإنجيلي اللوثري والتراث الإنجيلي الأنجليكاني / الأسقفي والتراث الإنجيلي المعمداني؛ فهذه التراثات وإن كانت تراثات إنجيلية صميمة إلا أنها غير مُصْلَحة.
وهنا ومع الاحتفال بمرور 500 عام على الإصلاح الإنجيلي في العالم كله (1517 – 2017م)، يجب أن نقف أمام هذه الكلمة الملهمة: «مُصْلَح»؛ فالفكر اللاهوتي الإنجيلي لكنيستنا لا يفترض في نفسه أنه مستقيم «أرثوذكسي» أو قويم، بل يفترض الاحتياج إلى الإصلاح الدائم؛ الذي هو التجديد وإعادة التشكيل وإعادة الصياغة ومن هنا تأتي الكلمة الإنجليزية «Reform».
وعليه، ومع احتفالنا هذا العام ينبغي أن نعيد التفكير الأمين في هذه الهوية الديناميكية لفكر كنيستنا اللاهوتي؛ والذي يفترض في ذاته استمرار التفاعل الإلهي الإنساني (المسيحي)، من خلال عمل الروح القدس في الكنيسة والذي هو عمل جديد ومتجدد دائمًا.
أما إعادة تشكيل فكرنا اللاهوتي فتتعلق بمتغيرات العصر الذي نعيش فيه، في مقابل محدودية اللغة وارتباطها بسياقات تاريخية وجغرافية دائمًا، وهي فكرة «الإحياء» المعروفة عبر التاريخ البشري ككل.
فكيف نكون إنجيليين مصلحين ونحن نعتبر صياغات إيماننا قويمة وثابتة ولا يمكن تغييرها؛ مع كونها مترجمة من لغات أخرى غير لغة عبادتنا، ومع كونها غير معاصرة أيضًا.
ولنا في جون كالفن (1509 – 1564م) نموذجًا لإعادة التشكيل وإعادة الصياغة بل والمراجعة؛ فلقد كتب كالفن كتابه الأشهر «أسس المسيحية» عدة مرات، وكان في كل مرة ينقح ويضيف ويعيد ترتيب ما سبق وكتبه، حتى أنه غير اللغة التي كان سبق وكتب بها – وهي اللاتينية – إلى اللغة الفرنسية وهي اللغة التي يمكن أن يقرأ بها عدد أكبر من الشعب.
وهذا بالضبط ما نحتاج أن نستلهمه – فليكن احتفالنا استلهام – إعادة التشكيل وإعادة الصياغة والتنقيح والمراجعة وتغيير اللغة لتكون مواكبة للعصر الذي نعيش فيه – فليكن احتفالنا عصرنة – ناظرين إلى مستقبل كنيستنا في مصر والمنطقة العربية والعالم – فليكن احتفالنا استشراف – لنكون بحق مُصْلَحون.
إنَّ الإصلاح الإنجيلي فكرة إبداعيّة مُلهمة للعالم؛ فأي فكرة أو نظام في العالم يتحول مع الوقت إلى عقيدة أو أيدولوجيّة أو مذهب وللأسف يكون مغلقًا، أما فكر كنيستنا الإنجيليّة فهو يضع في داخله ما يجدده دائمًا ويمنع تقوقعه ويتيح إصلاحه وهذا إبداع فكري غير مسبوق وعلينا بعد مرور خمسة قرون أن نستكمل إبداع الإصلاح.