الأساسيات الخمسة أو المبادئ الخمسة للإصلاح الإنجيلي والمعروفة باصطلاح «Five Solas»، تُعبر عن أهم خمس عقائد أو مبادئ أساسية وهامة بالنسبة للإصلاح الإنجيلي، الذي انطلق مع مارتن لوثر زعيم الإصلاح الإنجيلي في القرن السادس عشر، والكلمة «Sola» كلمة لاتينية تعني «وحيد»، «منفرد»، «حصري»، وهناك خمسة أنواع من تلك «المنفردات والحصريات، «Solas»، وهم: «الكتاب المقدس وحده»، «المسيح وحده»، «النعمة وحدها»، «الإيمان وحده»، «مجد الله وحده».
المبدأ الأول: الكتاب المقدس وحده
الكتاب المقدس وحده «Sola Scriptura»
الكتاب المقدس مصدر كل سلطة.
«عَالِمِينَ هَذَا أَوَّلاً: أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ، لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللَّهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (2بطرس 1: 21).
سولا سكريبتورا باللاتينية «Sola scriptura»؛ وبالإنجليزية «Scripture alone»، وتعني في العربيّة الكتاب المقدس وحده؛ في هذا المبدأ يؤكد الإصلاح الإنجيلي على أنَّ الكتاب المقدس وحده هو كلمة الله، الموحى بها والمعصوم من أي خطأ، وهو دستور الحياة المسيحيَّة الحقَّة، كما أنَّه واضحٌ، وضروري وكافٍ لنستمد منه وحده العقيدة المسيحيَّة. لأنه بعدما كان الكتاب المقدس مُتاحاً لجميع مؤمني الكنيسة الأولى، يقرؤونه ويدرسونه، حتى قيل أنَّ أهل بيريّة كانوا «أَشْرَفَ مِنَ الَّذِينَ فِي تَسَالُونِيكِي فَقَبِلُوا الْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هَذِهِ الأُمُورُ هَكَذَا؟» (أعمال 17: 11). جاءت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في القرون المظلمة والعصور الوسطى، لتمنع قراءة الكتاب المقدس عن الشعب، وتمنحه فقط للكهنة والرتب الدينية العليا وصولاً للبابا، وكان الكتاب المقدس يقيد بسلاسل ويوضع على الرفوف، حتى بعدما قامت حركة الإصلاح، التي أتاحت الكتاب المقدس للشعب كل في لغته، جاء قرار مجمع ترنت عام 1545م، ليسطر هذه العبارات، «لما كان قد ظهر من الاختبار، أنه إذا سمح لكل إنسان بدون تمييز قراءة الكتاب المقدس المترجم إلى لغة الشعب، فإن تهور البشر الناجم عن قراءته يسبب شراً أكثر من الخير، لذلك وجب الحصول على رخصة للسماح بقراءة الكتاب المقدس المترجم إلى لغة الشعب»، وفي ذات المجمع صدر قراراً بمساواة الكتاب المقدس مع التقليد الكنسي.
إن أحد أهم الأسباب التي أدت إلى قيام حركة الإصلاح الإنجيلي هو حجب كلمة الله «الكتاب المقدس عن الشعب»، وقد قام المُصلِح ويكليف بترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة الإنجليزية، وقال في مقدمته: «أنه لا شيء يجب الإيمان به ما لم يكن مؤسساً على هذا الكتاب، ولا يجب إضافة شيء لتعليمه... هذا الكتاب هو الحق الكامل الذي يجب أن ندرسه ويدرسه كل مسيحي، هو مقياس ونموذج لكل منطق».
آمن المصلحون الإنجيليون بالكتاب المقدس وحده، كمصدر لكل سلطة، والقانون الوحيد المعصوم للإيمان والأعمال، حتى أنَّ لوثر بعدما قدَّم أطروحاته، شُكلِت له لجنة لمراجعة ما كتبه، ولما طلبت منه اللجنة التراجع عن أطروحاته، قال قولته المشهورة: «ما لم تقنعوني من الكتاب المقدس أن تعاليمي خطأ فإني لن أسحبها، ولن أقبل الاعتماد على تعاليم البابا أو قرارات مجامع الكنيسة، فإنها كثيراً ما أخطأت وناقض بعضها بعضاً. إني أقف الآن وضميري أسير الكتاب المقدس، ولن أقف ضد ضميري، وليكن الله معي». وهكذا ردد زونجلي: «ادرس الكتاب فسيأتي الوقت الذي سيصبح فيه الكتاب المقدس أساس الإيمان الوحيد، وليس أقوال القديس جيروم ولا سائر الآباء».
يؤمن الإنجيليون أنَّ الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد (التوراة والإنجيل)، هو القانون الوحيد المعصوم من الخطأ، وهو الذي من خلاله يُعلن الله عن نفسه، ومقاصده من جهة البشر، ويعتبر الكتاب المقدس سجلاً عن إعلانات الله المتكررة التي أعلن فيها ومن خلالها عن ذاته على مدى العصور والأجيال.
وتعبير «الكتاب المقدس وحده»، يعني أيضاً سيادة الكتاب المقدس على أي كتابات أخرى، مهما بلغ شأنها أو شأن كاتبها، ولأن الكتاب المقدس هو كلمة الله، فهو الكتاب الذي يوضح طريقة الله التي أعدَّها ليخلصنا، وكل ما كُتب فيه فقد كُتب لكي نؤمن ونخلص، يكتب يوحنا البشير مؤكداً هذه الحقيقة فيقول: «وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هذَا الْكِتَابِ. وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ» (يوحنا 20: 30 – 31). كما أنَّ الكتاب المقدس ضروري للحياة المسيحية، فهو الذي يُعلمنا ويقومنا ويوبخنا ويؤدبنا، يؤكد هذه الحقيقة الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس قائلاً: «كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ” (2تيموثاوس 3: 16). ومن خلال الكتاب المقدس وحده، نعرف بشكل واضحٍ ومؤكدٍ مشيئة الله لحياتنا.
و «الكتاب المقدس وحده»، يعني أنَّه كافٍ، أي أننا غير محتاجين لأن نُضيف إليه شيئاً، وألا نساويه بأي كُتبٍ أخرى، وأنه لا توجد إعلانات إلهية معاصرة تتساوى في سلطتها مع الكتاب المقدس. وأنَّ الله لا يطلب منا شيئاً لم يوصي به في الكتاب المقدس، سواء كان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
أخيرًا «كفاية الكتاب المقدس» تعني أن كل ما تحتاج الكنيسة أن تعرفه من أجل عبادتها وتنظيمها الإداري هو موجود ومتاح ومعلن بحسب مقاصد الله في الكلمة المقدسة.
ولأن «الكتاب المقدس وحده»، هو الذي شهد عنه الروح القدس، «لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللَّهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (2بطرس 1: 21). هذا يعني أنَّ الكتاب المقدس هو كلمة الله المدُونة ليشهد ويُعِدّ الإنسان والبشريّة قاطبة لاستقبال كلمة الله المتجسد، شخص المسيح، والإعلان النهائي والكامل عن الله.
إن عقيدة الكتاب المقدس وحده، تؤكد لنا أنَّ لدينا في الكتاب المقدس كل ما نحتاج معرفته عن الله، وعن الخلاص الذي أعدَّه لنا في المسيح، وعن خطته الرائعة لحياتنا، ونحن لا نحتاج لكتابٍ غيره نضع ثقتنا فيه من جهة هذه الأمور.