منذ أنْ وقف المصلِّح الألماني العظيم مارتن لوثر، والذي كان راهبًا مِن رهبان الكنيسة الجامعة الكاثولكية وأحد رعايا بابا روما، أقول منذ أنْ وقف ضد فساد الكنيسة الأم وتسلَّط رجال الكهنوت الكاثوليكي على الناس بل بيع صكوك غفران لأناس غير تائبين وغير مستقيمي القلوب والضمائر لبناء المزيد
مِن الكاتدرائيات الفخمة العظيمة المبهرة للعيون مِن فرط الجمال والروعة منذ تلك الوقفة الاحتجاجية النبيلة والتي نادت بأنَّ الخلاص بالإيمان وليس بالاعمال ’’آمن إبراهيم فحُسب له برًا‘‘ ، تنوعت وتعددت الكنائس الإنجيلية أو البروتستانتية ولكنها تقوم علي أساس واحد وهو الخلاص بالإيمان ، وأنَّ الخدام ،خداما للإنجيل وهم رعاة وليسوا كهنة ،وأنَّه لا وساطة بين الله والإنسان إلا المخلص يسوع المسيح الإله والإنسان
فرأينا كنيسة نهضة القداسة ، والكنيسة الخمسينية ، والكنيسة الرسولية والكنيسة المعمدانية ، وكنيسة الإيمان ، وكنيسة الاخوة ، والكنيسة الإنجيلية المشيخية وغيرها من الكنائس رغم اشتراك كل تلك الكنائس في الأساس الفكري والعقيدي إلا أنَّ لكل كنيسة منهم طابعها الخاص وهويتها المميزة لها عن غيرها مِن الكنائس والكنيسة في عبادتها وصلاتها وتسبيحها تركِّز علي تربية أتباعها علي تعاليم الكنيسة ، وتأصيل طريقتها وطابعها وهويتها في نفوس وعقول المنتمين لها والكنيسة الإنجيلية المشيخية والتي أشرف بعضويتها لها في هذا السياق طابعها الخاص في العبادة والتسبيح ودرس كلمة الله .هي كنيسة توفق بين العقل والإيمان ، فتأتي طريقتها في العبادة متزنة منظمة ،هادئة عاقلة ، وترنم وتسبح ترانيم في الأساس مبنية علي سفر المزامير الشعري ، فيها ترفع أشواق النفس البشرية لله ، فيها إجلال وتعظيم وشكر لله علي خلقه لنا ، وخلاصه لنا في شخص المسيح له كل المجد .غير أنَّ الأمر لم يقتصر علي كتاب نظم المزامير القديم فظهرت في ستينيات وسبعينيات وتسعينيات القرن العشرين وما تلاه ترانيم سميناها ’’الترانيم الجديدة‘‘ عبرت عن التطور والتغيير الذي أحدثه في ذلك الوقت جيل الشباب الإنجيلي المشيخي ،وكانت ترانيم رائعة جيدة الصياغة ذات معانٍ جليلة جميلة وموسيقي معبرة.
في العقود الأخيرة ووفقًا للحراك الإجتماعي والهجرة واسعة النطاق مِن الريف والمدن الصغيرة بالصعيد خصوصًا الذين سكنوا في أطراف المدن الكبري مثل القاهرة والإسكندرية والجيزة فضلًا عن مدن الصعيد الكبيرة كأسيوط وسوهاج والمنيا أولئك المهاجرون منهم أعداد ضخمة مِن المسيحيين الذين هاجروا لدوافع اقتصادية ،وهربًا من التضييق والتشدد الإسلامي ضدهم ،منهم أعداد كبيرة مِن رواد الكنائس ’’المؤمنين : في الموطن الجديد في المدن الكبيرة ذهبوا للكنائس ليتعبدوا في الكنائس الموجودة ، بعضهم ارتبط بالكنائس الإنجيلية المشيخية وهم في الغالب ليسوا إنجيليين مشيخيين فعملوا لا شعوريًا علي فرض طابعهم ،وطابع كنائسهم الأصلية التي تربوا فيها ،وإزاء وجودهم وفعاليتهم ونشاطهم تراجعت الروح الإنجيلية المشيخية فرأينا صخبًا في العبادةوصاحب هذا إتاحة المنبر في الوعظ ودرس الكلمة لخدام ينتمون لطوائف أخري فساهم هذا في إضعاف روح وتوجه الكنيسة الإنجيلية المشيخية مما يؤدي إلى طمس الهوية الخاصة بها بمرور الزمن.
إضافة لكل هذا ظهور ما يسمي بالمرنمين المحترفين ، أولئك المرنمون هم أبناء كنائس واجتماعات يتمتعون بأصوات جميلة فكانوا يرنمون بالاجتماعات المختلفة ،وشيئًا فشيئًا تلقوا دعوات لخدمة ترنيم بكنائس أخري ،وأصبحوا مطلوبين هنا وهناك ،فتركوا أعمالهم وتفرغوا للخدمة بدعوى أنَّ الله دعاهم . هؤلاء المرنمون رغم جمال أصواتهم إلا أنهم غير مؤهلين لكتابة الترانيم والتي هي شعر . كتابة الترانيم والشعر تستلزم تذوق للكلمة وموهبة وهذا يستند إلى قراءة واسعة للأدب والشعر وهم يفتقدوه تمامًا ، لذا خرجت الترانيم الجديدة في معظمها ركيكة المعاني والصياغة ،وموسيقاها مستقاة مِن موسيقى الأغاني الشائعة.
النجاح الهائل الذي حققته كنيسة قصر الدوبارة في الاجتماعات والمؤتمرات جعل منها نموذجًا يُحتذى، تقلِّده الكنائس والاجتماعات المختلفة رغم بُعد نهج قصر الدوبارة عن الروح الإنجيلي المشيخي ،وفي تقديري المتواضع يرجع السبب في التغير الشديد في طريقة العبادة بتلك الكنيسة إلى موقع الكنيسة الذي يسهل الوصول إليه مِن أطراف القاهرة والتي يسكنها المسيحيون القادمون مِن الريف والذين يميلون للصخب والضجيج في العبادة وتغييب العقل ’’الشعبوية تفرض منطقها‘‘
كل هذه العوامل تضافرت لوأد الروح والهوية الإنجيلية المشيخية ،على أنَّ الأمر اللافت للنظر هو عدم وجود تيار يتصدى للحفاظ علي هوية الكنيسة ،وتهاون رعاة الكنيسة في الأمر،وعدم الوعي والتخلي عن المسئولية هوية كنيستنا في خطر فارجو الانتباه!!!