"وَإِلَهُ كُلِّ نِعْمَةٍ الَّذِي دَعَانَا إِلَى مَجْدِهِ الأَبَدِيِّ
فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ .." (1بطرس 5: 10).
"النعمة التي لا تُقاوم"، وبالإنجليزيّة "Irresistible Grace"، إنَّ الله، هو "إِلَهُ كُلِّ نِعْمَةٍ الَّذِي دَعَانَا إِلَى مَجْدِهِ الأَبَدِيِّ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ .." (1بطرس 5: 10)، و"النعمة" معناها"
عطية مجانيّة وبدون استحقاق"، وبمعنى أخر، هي" فضل أو إحسان من الله للإنسان، دون أن يستحقه ولم يكتسبه أو يربحه بمجهوده أو لأي شيء في هذا الإنسان"؛ ولأنَّ الإنسان لا يستطيع القيام بأي شيء للاستجابة إلى إرادة الله، فإنَّ الله يرسل روحه القدس ليعمل في قلوب المختارين بصورة مباشرة وبشكل لا يمكن مقاومته لتمكينهم من الإيمان والطاعة وقبول خلاص المسيح، ولأنَّ هذا هو عمل الله فلا يمكن للإنسان المُختار أن يقاوم نعمة الله.
إنَّ عقيدة "النعمة التي لا تُقَاوَم"، تؤكد حقيقة أنَّ الله حينما اختار البعض للخلاص، وحين يرسل روحه القدس ليبكت الإنسان المُختار ليُغيرَ قلبه، فلا يستطيع أحداً أن يقاوم الله، لأنَّ الله لا يُقاوم، بل ينجح في تتميم مقاصده دائماً، يتضح هذا الأمر بأجلى بيان، في حادثة إقامة لعازر، فقد جاء المسيح إلى قبر لعازر الميت، وقال له: «لِعَازَرُ هَلُمَّ خَارِجاً». فَخَرَجَ الْمَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلاَهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيلٍ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ»" (يوحنا 11: 43-44)، وهنا نرى في لعازر الإنسان الميت والعاجز كلياً، لكنه كان مُختاراً لأن يُقام من موته، هذا الاختيار لم يكن للعازر أي رأيٌ فيه، وهنا نراه لا يحتاج لشفاء أو حجة وإقناع فلسفي أو منطقي لكي يؤمن بقدرة المسيح على إقامته من لموت، لكنه احتاج لمن يدعوه بأمرٍ إلهي للقيام من الموت وبذات الطريقة، فإنَّ الله في نعمته التي لا تُقاوَم، يدعو الخاطئ الميت روحياً دعوة خاصة بالروح القدس ليقوم من موته الروحي، ويحيا مع المسيح، متمتعاً بكفارته وموته لأجله.
هذا ما نراه واضحاً في قصة إيمان ليديَّة بائعة الأرجوان، عندما سمعت رسالة البشارة التي كان ينادي بها بولس في فيلبي، إذ يكتب: "فَكَانَتْ تَسْمَعُ امْرَأَةٌ اسْمُهَا لِيدِيَّةُ بَيَّاعَةُ أُرْجُوانٍ مِنْ مَدِينَةِ ثَيَاتِيرَا مُتَعَبِّدَةٌ لِلَّهِ فَفَتَحَ الرَّبُّ قَلْبَهَا لِتُصْغِيَ إِلَى مَا كَانَ يَقُولُهُ بُولُسُ" (أعمال 16: 14)، كانت هذه السيدة متعبدة، لكن لم يكن لها أن تقبل الإيمان بالمسيح إلا بعد أن فتح الله قلبها من خلال النعمة التي لا تقاوم، لتُصغي إلى ما كان يقوله بولس، ولتؤمن بكفارة وعمل المسيح لأجلها كمختاره فيه قبل تأسيس العالم.
وهنا علينا أن نتوقف أمام نعمة الله العامة، والتي من خلالها تُقدَّم رسالة الله للجميع، وبين نعمة الله التي لا تُقَاوَم، فليس كل من يستمع إلى رسالة الله يخلُص، بل فقط الذين سبق وعيَّنهم الله للخلاص، لقد قدَّم بولس وغيره من الرسل والمبشرين، رسالة خلاص الله لكثير من الأمم والشعوب، وكانوا يفرحون بكلمة الله، بل ويمجدون الله وكلمته، ولكن لم يؤمن إلا الذي كان مُعيناً للحياة الأبدية، هذا ما يسجله في سفر الأعمال، إذا يكتب: "فَلَمَّا سَمِعَ الأُمَمُ ذَلِكَ كَانُوا يَفْرَحُونَ وَيُمَجِّدُونَ كَلِمَةَ الرَّبِّ وَآمَنَ جَمِيعُ الَّذِينَ كَانُوا مُعَيَّنِينَ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ" (أعمال 13: 48). وهذا معنى ما قاله المسيح أيضاً: "لأَنَّ كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ" (متى 22: 14).