ونحن نحتفل بعيد الإصلاح الإنجيلي، ولأن أسكن في ضاحية حلوان فقد لفت نظري مركزين هامين للصناعة أقيما في مطلع الستينيات من القرن الماضي في وقتٍ واحد.
أولاً: مصنع تجميع السيارة الفيات 128 الإيطالية المنشأ، لكننا نستورد الأجزاء من إيطاليا ونجمعها بعد أن نعطيها اسماً «وطنياً» (السيارة نصر128)
وقال البعض إن حتى الماركة العربية «نصر» مصنّعة في إيطاليا. وانتهى النشاط وتحولت مصانع التجميع إلى «ورش إصلاح»
ثانياً: مصنع الحديد والصلب وكان لابد من نقل المادة الخام من جنوب أسوان بواسطة قطارات مخصصة لذلك وأنتجنا الحديد اللازم ليكون لنا الكفاية منه.
ولأن صناعة السيارات لم تكن «أصيلة» فقد توارت السيارات الـ «نصر» وبسرعة، أما ما صنّعناه بأيدينا فقد سدد احتياج البلد حتى وإن استولى البعض على هذه الصناعة فيما بعد.
والسؤال: هل نحن نحتفل بالإصلاح الذي حاول عبر تاريخ الكنيسة أن يواجه الأخطاء محاولاً إصلاح العيوب ثم تعود وتظهر عيوباً أخرى. هل يا ترى تتحول السيارة - بعد عدة إصلاحات - إلى خردة!! طبعاً لا. لأن الكنيسة من البشر - ولهم ضعفاتهم - لكنها في نفس الوقت جسد المسيح الحي.
الجسد الذي يحيا ليس بطرد الباعة من الهيكل، ولا باحتجاجات لوثر الـ 95، بل بتقديم المسيح نفسه على الصليب إلى أن قال «قد أُكمل». إنها إعادة حياة تأخذ إرسالية جديدة ليس لنسل إبراهيم فحسب ولا نسل داود فحسب، بل هي جسد واحد من كل أمَّة وقبيلة ولسان وشعب.
ولأن الكنيسة تعيش في عالم متغيِّر ومتطور فهي تحتاج إلى أن تدرك من جديد إنها «مصنع وليس مجرد «ورشة إصلاح» معظم المُصلِحين في تاريخ الكنيسة إما أنهم تزعموا الإصلاح بالقيام بثورة ضد أنظمة سياسية ظالمة أحياناً أو عابثة أحياناً أخرى، أو قاموا ضد تصرفات غير مقبولة من قيادات الكنيسة في وقتها إما بالتسلط أو الانحراف الفكري أو الانحراف السلوكي.
ألا تبدو كلها «ورش إصلاح»
ألم يحن الوقت لأن نعمل مع روح الله «لإقامة مصنع محققين الوعد» ها أنا أصنع كل شيء جديداً روح الله حي وفعال لكن إدراكنا له وفهمنا لفاعليته يتطور مع تطور الإنسان والعلاقات الإنسانية. تعالوا نتابع التطور في القرن المسيحي الأول: لما حضر يوم الخمسين كان الجميع معاً وبنفس واحدة (في الهيكل) ثم اجتمعوا في البيوت ثم تكوَّنت الكنائس ومنها ذات اللغة والطابع الشرقي ومنها ذات اللغة والطابع الغربي (راجع مجمع خلقيدونية 451 وكيف اتفق الفريقان المنقسمان، أواخر القرن العشرين على طبيعة المسيح وأن الاختلاف كان لغوياً)
ولما زاد انقسام الكنائس حاولت الكنائس دخول «ورشة المسكونية» وهي محاولة من وجهة نظري وانطلاقاً من خبرتي في العمل المسكوني محاولة لتحجيم الخلافات أكثر منها رغبة في بناء «الجسد الواحد»
لما تفكك المجتمع المسيحي متأثراً بتفكك المجتمع الإنساني مع أنه يتكلم عن «القرية الصغيرة» حاولت الكنيسة أن تدخل «الورشة» لتحتفظ بأكبر عدد ممكن من الأفراد، فظهر «اللاهوت الفردي» على حساب «لاهوت الجماعة» وكيان الجسد الواحد، واقتربت الكنيسة من أن تكون ورشة تجميع أجزاء «السيارة نصر» ونفرح بالتقاير لأننا لا نريد أن نحمل خام الحديد من أسوان إلى حلوان «للتصنيع»، استسلمنا أن نزرع القطن دون تصنيع ونستورد الملابس من الصين. إن الحاجة مُلحَّة الآن لا لأن ننقل أبحاث الغرب ونزحم بها مكتبات جامعاتنا بل إلى «زويل» لتكون الأبحاث أصيلة من هنا ونتكلم لاهوت «هنا والآن»
أيها المصري المسيحي ألا ترى نهر النيل النموذج؛ إنه مازال يجري ويعطي وقد ترى فيه الطمي على أنه شيء يلوث الأيدي والأرجل، لكن عند تفعيله يعطي الخصوبة والنماء.
قد نرى في النيل فاصلاً بين الشاطئ الشرقي والشاطئ الغربي، لكن نحتاج أن نراه يحمل المراكب التي تربط الشاطئين وتنقل الناس والأشياء إلى مسافات بعيدة. بل هو يحمل بواخر السياحة التي تزيد الخير لمصر ولأهلها.
يا كنيستنا الإنجيلية: حان الوقت أن نعيد التفكير في «الورشة» الناقلة من النموذج الغربي واللاهوت الفردي «المصنع» الذي يحيا ويشهد بعمل نعمة الله، ليس لكل وادي النيل فحسب بل لكل الخليقة. اطلبوا الرب ما دام يوجد، ادعوه وهو قريب. والسيد نفسه قال: «أنا أعمل وأبي يعمل. ينبغي أن أعمل ما دام الوقت يدعى نهاراً.»