الأساسيات الخمسة أو المبادئ الخمسة للإصلاح الإنجيلي والمعروفة باصطلاح «Five Solas»، تُعبر عن أهم خمس عقائد أو مبادئ أساسية وهامة بالنسبة للإصلاح الإنجيلي، الذي انطلق مع مارتن لوثر زعيم الإصلاح الإنجيلي في القرن السادس عشر، والكلمة «Sola» كلمة لاتينية تعني «وحيد»، «منفرد»، «حصري»، وهناك خمسة أنواع من تلك «المنفردات والحصريات، «Solas»، وهم: «الكتاب المقدس وحده»، «المسيح وحده»، «النعمة وحدها»، «الإيمان وحده»، «مجد الله وحده».
المبدأ الرابع: الإيمان وحده
الإيمان وحده «Sola Fide»
الخلاص يأتي من خلال إيماننا وحده.
«لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ» (أفسس 2: 8، 9)
سولا فيدي باللاتينية «Sola Fide»، وبالإنجليزية «Faith alone» وفي العربيّة «الإيمان وحده»،
هو الوسيلة التي يقبل بها الإنسان نعمة الله المُخلِصة، وحتى هذا الإيمان إنما هو عطية الله، فإذا كانت النعمة وحدها هي الوسيلة الإلهية والوحيدة لخلاص الإنسان، فإن الإيمان وحده هو الأداة الفريدة والوحيدة التي من خلاله نتلقى نعمة الخلاص من الله، «لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ» (أفسس 2: 8)، كما أنَّه لا شيء آخر غير الإيمان ضروري للحصول الخلاص الذي يمنحه الله للإنسان المُختار.
يؤكد الإنجيليون، بأنَّ النعمة وحدها، هي الوسيلة الإلهية الوحيدة لخلاص الإنسان. فلو كان الخلاص متوقفًا على أي عمل أو أي استحقاق من جانبنا، لمَا كان بالنعمة «لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ ... لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ» (أفسس 2: 8، 9). كما يؤمنون أيضاً أنَّ الخلاص بالإيمان وحده، «لأَنَّكُمْ ... مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ» (أفسس 2: 8). هذا ليس معناه أن الإيمان هو ثمن الخلاص، بل معناه أن الإيمان هو الوسيلة التي ننال بها هذا الخلاص، لأن ثمن الخلاص هو دم المسيح دون سواه. فقد قال الوحي للمؤمنين: «اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ» (1كورنثوس 6: 20)، وإن الثمن هو «دَمِ الْمَسِيحِ» (1بطرس 1: 18، 19).
كما أنَّ المبدأ الإنجيلي «الإيمان وحده»، يعني أنَّ الأعمال التي نعملها ليست صالحة بما فيه الكفاية لنستحق الخلاص، وهذا ما كتبه الرسول بولس قائلاً: « لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لاَ يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ» (رومية 3: 20)، ولأنَّ أعمال برَّ الإنسان يصفها النبي إشعياء كثوب عِدة وكورقٍ ذابل، يقول: «قَدْ صِرْنَا كُلُّنَا كَنَجِسٍ وَكَثَوْبِ عِدَّةٍ كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا وَقَدْ ذَبُلْنَا كَوَرَقَةٍ وَآثَامُنَا كَرِيحٍ تَحْمِلُنَا (إشعياء 64: 6).
وهكذا كَتَب لوثر: «إنَّ الأعمال الصالحة لا تصنع قديسًا، إنما القديس يصنع أعمالاً صالحة». والإنجيل نفسه لم يأتنا بما يطلبه الله منا، بل بالحري أتانا بما يقدمه الله لنا. وقد قدَّم الله لنا ابنه يسوع المسيح حكمة وبراً وفداءً. صحيح إنَّ العهد الأول مع الإنسان كان هذا «من يفعلها يحيا» (لاويين 18: 5). لكنَّ العهد الثاني يقوم على نعمة المسيح المُخلَصة، والتي نقبلها بالإيمان، الذي هو عطية الله أيضاً (أفسس 2: 8).
لقد اتخذ لوثر من مبدأ «الإيمان وحده»، شعاراً للإصلاح الإنجيلي، واتفق معه تماماً كالفن، حين قال: «إنَّ كل من يرغب في الحصول على بر المسيح يجب أن ينبذ خاصته». وحسب كالفن، «حصول الآثم على هذا البر والجدارة لا يتم سوى من خلال الإيمان بابن الله والوحدة به حيث ليس عند الآثم أي أمل في غفران وقبول وسلام الله».
ومع ذلك فإنَّ المُصلِحين ميَّزوا بين الإيمان وحده، الذي نستقبل من خلاله نعمة الله المُخلِصة، بدون أعمالٍ، وبدون استحقاقات بشريّة، وبين الأعمال الصالحة التي يجب أن تأتي كثمرٍ لهذا الإيمان، إذ يؤكدون على أنَّ الإيمان يؤدي بالضرورة إلى أعمالٍ صالحةٍ، لأن هذه الأعمال نفسها، قد سبق الله وأعدها لنسلك فيها، «.. نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا» (أفسس 2: 8-10)؛ وهكذا في الوقت الذي يُنبر فيه الرسول بولس على عدم كفاية أعمال الناموس قائلاً: «إِذْ نَعْلَمُ أَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَتَبَرَّرُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ، بَلْ بِإِيمَانِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، آمَنَّا نَحْنُ أَيْضاً بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، لِنَتَبَرَّرَ بِإِيمَانِ يَسُوعَ لاَ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ. لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ لاَ يَتَبَرَّرُ جَسَدٌ مَا» (غلاطية 2: 16)، يعود ويؤكد على أنَّ الأعمال الصالحة هي ثمر الإيمان، فيكتب: «صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ. وَأُرِيدُ أَنْ تُقَرِّرَ هَذِهِ الأُمُورَ، لِكَيْ يَهْتَمَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ أَنْ يُمَارِسُوا أَعْمَالاً حَسَنَةً. فَإِنَّ هَذِهِ الأُمُورَ هِيَ الْحَسَنَةُ وَالنَّافِعَةُ لِلنَّاسِ» (تيطس 3: 8).
«الإيمان وحده»، يعني أننا نخلص بالنعمة من خلال الإيمان وحده. الإيمان وحده هو الأساس من أجل خلاصنا، ولكن يتجلى خلاصنا بأكثر وضوحاً من خلال أعمالنا التي تؤكِد حقيقة إيماننا.
الإيمان وحده، أي إيماننا فقط بالمسيح وحده، وقبول نعمة الله المُخلِصة وحدها، كل ما نحتاجه أمام عرش الله الديان، وليس الإيمان مُضافاً إليه أعمال برنا الصالحة.