- قبل الحديث عن علاقة الروح القدس بيسوع فى مثال الميلاد العذرواي ، ينبغي إيضاح أننا نتكلم عن " سِرّ التقوى " الذى هو : الله ظهر فى الجسد 1تيمو 3: 16، ويجب التأكيد أنه لا يمكننا أن نُحيط بهذا السِرّ إلا بمقدار ما أعلنه الله لنا فى المسيح يسوع ، وفى الكلمة المقدسة .
- ولكن يمكن تبسيط عمل الأقانيم الثلاثة فى التجسد والميلاد العذراوي فى ثلاثة أمور حدثت فى لحظة واحدة وهى كالتالي :
1. إن أقنوم " الآب " قام بتجهيز قماشة الرداء ( الجسد البشري ) " لذلك عند دخوله إلى العالم يقول : ذبيحةً وقُرْباناً لم تُرِدْ ( أيها الآب ) ، ولكن هيأتَ ( أيها الآب) لى جسداً " عب 10: 5 ( قارن مز 40: 6-8 " بذبيحة وتقدمة لم تُسَر . أُذنيَّ فتحتَ . مُحْرَقة وذبيحة خطية لم تطلب ... أن أفعل مشيئتك يا إلهي سُررتُ").
2. إن أقنوم " الروح القدس " قام بتفصيل هذا الرداء " الروح القدس يحل عليكِ ( بطريقة غير عادية ومعجزية ) ، وقوة العلي تظللكِ ، فلذلك أيضاً القدوس المولود منكِ يُدْعَى ابن الله " لو 1: 35 . " ... لمَّا كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف ، وُجِدَتْ حُبْلَى من الروح القدس ... يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك ؛ لأن الذى حُبِلَ به فيها ( ولم يقل إنها حَبِلَتْ به ) هو من الروح القدس " مت 1: 18 ، 20 ، " لأنك أنت اقتنيتَ كُلْيتيَّ ، نسجتني فى بطن أمي " مز 139: 13 .
لكن علاقة الروح القدس بالابن ترجع إلى الأزل عندما قَوَّى الروح القدس الابن وهو يتقدم للآب ليكون الذبيح عن شعب الله ، لقد قدَّم الابن نفسه للآب بالروح " فكم بالحري يكون دم المسيح ، الذى بروح أزلي ، قَدَّمَ نفسه لله ( الآب ) بلا عيب ... " عب 9: 14 .
3. إن أقنوم " الابن " قام أولاً ، وطوعاً وبإرادته الاختيارية ، بالتخلي عن مجد وعظمة لاهوته – وليس التخلي عن لاهوته - حتى يتمكن من ارتداء ما قام الروح القدس بتفصيله " الذى إذ كان فى صورة الله ، لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله ، لكنه أخلى نفسه ، آخذاً صورة عبد ، صائراً فى شِبْه الناس " في 2: 6-7 ، " فإنه فيه ( فى المسيح يسوع ) يحل كل ملء اللاهوت جسدياً ... " كو 2: 9 ، " فإذ قد تشارك الأولاد فى اللحم والدم ، اشترك هو أيضاً كذلك فيهما ... مِنْ ثَمَّ كان ينبغى أن يُشْبِه إخوته فى كل شئ ؛ لكى يكون رحيماً ... " عب 2: 14 ، 17- 18 .
- وقد اختص الروح القدس على وجه الخصوص بإنجاز عملية " الحَبَل conception" بيسوع ، والتى تضمَّنَتْ دوره فى أربع عمليات حدثت فى لحظة واحدة ، وهي كالآتي:
1. أن يُقَدِس ويطهر إناء العذراء من الخطية الأصلية ، فيمنع تأثر الجنين بالعوامل الوراثية الآتية من الأم !
- لقد سأل أيوب قديماً " كيف يزكو ( يتطهر ) مولود المرأة ؟ " أي 25: 4 ، ثم تساءل ثانيةً " مَنْ يُخْرِج الطاهر من النجس ؟ لا أحد ( من الناس ) " أي 14: 4 . ولقد وُلِدَ المسيح من امرأة غل 4: 4 ، مولودة بالخطية الموروثة من آدم " الكل قد زاغوا معاً ، فسدوا . ليس مَنْ يعمل صلاحاً ، ليس ولا واحد " مز 13: 3 ، وصُوِّرَت بالإثم " هأنذا بالإثم صُوّرتُ ، وبالخطية حبلت بي أمي " مز 51: 5 ، وهذا واضح من إدراكها لحاجتها إلى الخلاص فى تسبحتها " تبتهج روحي بالله مُخَلِصّي " لو 1: 47 .
- ولمَّا كانت جينات أي أم تحمل مادة DNAالتى تحتوى على العوامل الوراثية لوالديها ، ولمَّا كانت الجينات تحمل بالضرورة عناصر الخطية الأصلية ، كانت عناصر الخطية الأصلية موجودة فى جيناتها ، وهي تنتقل بالضرورة عند التناسل مع رجل ، لذلك يقول داود فى القديم " وبالخطية حبلت بي أمي " مز 51: 5 .
- ولكن مريم أم يسوع التي وإن لم تتناسل مع رجل ، إلا أنها كانت تحمل في جيناتها عناصر الخطية الأصلية ! ومن هنا وَجَبَ أن يمنع الروح القدس انتقال دنس الخطية عن طريقها إلى مولودها . إن الروح القدس في لحظة الحَبَل بيسوع قام بالسيطرة الكاملة على كيان مريم ، وقَدَّس وطهَّر دماءها ورَحِمَها من عناصر الخطية الموروثة ، حتى يتم قول جبرائيل الملاك " فلذلك أيضاً القدوس ( الطاهر ) المولود منكِ ( من النجس ) يُدْعَى ابن الله " لو 1: 35 .
- وقد ظن البعض أن عمل الروح القدس هذا قد جعل الأم على نفس مستوى قداسة ابنها ( ! ) ، وهو ما لم يحدث ؛ لأن الوحي المقدس لم يتركنا بلا إجابة أمام هذا التساؤل . فإذا افترضنا أن الأم بعمل الروح القدس قد صارت على نفس مستوى قداسة ابنها فلماذا يذكر الوحي المقدس :
أ. أنها لم تأخذ حذرها كأم حتى لا يتوه عنها ابنها فى عيد الفصح فى أورشليم ؟ ولماذا لم تفهم قوله لها " أنه ينبغي أن أكون في ما لأبي " لو 2: 41-50 ؟
ب. أن يسوع قد عاتبها فى عُرْس قانا الجليل ، لعدم معرفتها للأزمنة والأوقات قائلاً " ما لي ولكِ يا امرأة ، لم تأت ساعتي بعد ( أي وقت استعلاني كالمسيا المُخَلِص ) ؟ " يو 2: 4 ؟
ت. أنها لم تدافع عن يسوع ضد ابناء خؤولته وعمومته عندما ادَّعوا أنه مُخْتَل ، ولم تقاوم ضغطهم عليها لتذهب معهم لتدعوه لترك خدمته ، ولو مؤقتاً مر 3: 21، 31-35 ؟
ث. أنها كانت من ضمن الذين أوصاهم الرب يسوع بعدم ترك أورشليم حتى يعتمدوا بالروح القدس ( ! ) ؟ فإذا كانت قداستها على نفس مستوى قداسة ابنها ، ففيمَ كانت حاجتها إلي مواظبتها على الصلاة والطِلْبَة حتى ينسكب عليها الروح القدس فى يوم الخمسين ، وأن تتكلم بألسنة بعظائم الله ؟ أع 1: 12-14 ، 2: 1-4 ؟
2. أن يجعل الاتحاد بين الطبيعتين البشرية والإلهية " شخصياً " وليس " أقنومياً " ، وبدون امتزاج أو اختلاط أو تحوُّل !
- إن التجسُّد ، الذى هو اتحاد اللاهوت بالناسوت ، ليس هو تحوُّل اللاهوت إلى ناسوت ، أو تحوُّل الناسوت إلى لاهوت ، بل هو فقط وجود اللاهوت مع الناسوت فى وحدة حقيقية ، بعمل إلهى يفوق الإدراك ، حتى لا يُبْتلَع الناسوت من اللاهوت ، وهذا الدور هو ما قام به الروح القدس " ... وُجِدَتْ حُبْلَى من الروح القدس ... لأن الذي حُبِلَ ( بدمج الطبيعتين اللاهوتية والبشرية ) به فيها هو من ( فِعْل معجزي ل ) الروح القدس " مت 1: 18 ، 20 ، " الروح القدس يحل عليكِ ( بهدف دمج الطبيعتين اللاهوتية والبشرية ) ، وقوة العلي تظللكِ ، فلذلك أيضاً القدوس ( بطبيعته اللاهوتية ) المولود منكِ بطبيعته البشرية ) ، يُدْعَى ابن الله " لو 1: 35 .
- لذلك يكون من اللائق أن نقول إن شخص المسيح هو " طبيعتان " ، والطبيعتان متميزتان غير منفصلتين ، بل متحدتين اتحاداً " شخصياً " وليس " أقنومياً ، اتحاداً بلا اختلاط ، ولا امتزاج ، ولا استحالة . وهناك مثالين يوضحان تلك المسألة وهما :
أ. حديث الرب يسوع مع نيقوديموس يو 3: 13 .
ب. موت يسوع على الصليب ، وذهابه إلى الفردوس .
3. أن يجعل جنس المولود ذَكَرَاً !
- إن الحَمْل فى البشر لا يكون ممكناً إلا إذا كان هناك اتصال جنسي بين رجل وامرأة ، فيحدث الإخصاب بين الحيوان المنوي الذكري وبين البويضة الأنثوية . وإذا كان هناك فى الطبيعة ما يُسَمَّى بالتناسُل العُذْري أو الحَبَل الذاتي Parthenogenesis، سواء كان بغير تلقيح من ذَكَر ، كما فى النحل beesأو فى حشرات صغيرة تُسَمَّى aphids، أو كان بدون الحاجة للإخصاب مع أنثى ويُسَمَّى Androgenesis، إلا أن الحَبَل العذراوي على مستوى البشر يظل مستحيلاً .
- لكن إذا افترضنا – جدلاً - حدوث الحَبَل العذراوي على مستوى البشر ، فإنه فى حالة ولادة يسوع ، لابد أن يكون المولود " أنثى " وليس ذكراً ؛ لأنه من الناحية العِلْمية ستأتي كل جينات المولود من مريم فقط ، والتى تحوي الكروموسوم الأنثوي XX، في غياب تام للكروموسوم الذكري XY! ولكي تلد مريم ذَكَراً بواسطة ميلاد عذراوي – لو افترضنا حدوثه فى البشر - فإنه يجب توافُر الكروموسوم الذكري XY، حتى يمكن حدوث التمييز بين الذكر والأنثى ، وفي هذه الحالة لا يكون ميلاداً عذراوياً ، لحدوث إخصاب الحيوان المنوي الذكري للبويضة الأنثوية .
- وبناء على ما سبق يكون الذى حدث هو الآتي : إن الله الآب قد " خلق بالروح القدس " المادة الوراثية DNAليسوع ، والتي تحوي الكروموسوم الذكري XY، الذي اتحد بالبويضة الأنثوية للعذراء ، فحدث الإخصاب !
- إن هذا المعنى السابق هو ما يمكن استنتاجه من بشارة جبرائيل الملاك جبرائيل لمريم " وها أنتِ ستحبلين ، وتلدين ابنا ( تمَّ تحديد جنس المولود بأنه ذَكَر ) ، وتسمينه يسوع ... " لو 1: 31 ! ولأن مريم فهمت أن الحَبَل سيكون الآن وفوراً ، وليس من رجل ، كان سؤالها المنطقي للملاك " كيف يكون هذا ( بلغة العِلْم الآن: كيف يحدث إخصاب وحَمْل ) ، وأنا لست أعرف رجلاً ( فى عدم وجود رجل يأتي منه الحيوان المنوي الذي يُخَصِب البويضة الأنثوية ) " لو 1: 34 ! وكانت إجابة الملاك توضح دور الروح القدس فى إنجاز هذه المعجزة " الروح القدس يحل عليكِ ( ويخلق الجين الذكري ، الذي سَيُخَصِب البويضة الأنثوية ) ، وقوة العلي تظللكِ ، فلذلك أيضاً القدوس المولود ( ذَكَراً ) منكِ يُدْعَى ابن الله " ع35 . ونفس هذا الدور هو ما أكَّده قول الملاك ليوسف " ... لمَّا كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف ، وُجِدَتْ حُبْلَى من الروح القدس ... يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك ؛ لأن الذى حُبِلَ به فيها هو من الروح القدس " .
4. أن يُشَكِل ويُكَوِن أعضاء جسد إنساني حقيقي فى رَحِم العذراء !
- لقد حاول المُشَكِكون التشكيك في " حقيقة جسد " الرب يسوع ، وأنه لم يكن " إنسانياً " مثلنا ، على أساس أن جيناته وخلاياه ليستا نِتاج إخصاب حيوان منوى ذكرى لبويضة أنثوية ، وبالتالى لا يكون من الناحية البشرية " إنساناً رَجُلاً عادياً " !؟
- وفى هذا أقول بنعمة الله إنه يجب أولاً التأمُّل في " إنسانية " جسديْ آدم وحواء في بعض المسائل الآتية :
أ. إن آدم وهو أب لكل الجنس البشري ، لم تكن خلاياه وجيناته نتيجة لإخصاب حيوان منوى من رجل لبويضة أنثوية من امرأة ، لكن الروح القدس هو الذي خلق الخلايا والجينات لكي يكون آدم إنساناً ، ومن حيث نوع الجنس رَجُلاً " وجَبَلَ الرب الإله آدم تراباً من الأرض . ونفخ فى أنفه نسمة حياة . فصار آدم نفساً حية " تك 2: 7 !
ومع ذلك لا نجد أحداً يشكك فى حقيقة كَوْن آدم " إنساناً " ، ولا في كَوْن جِنْسه " ذَكَراً " !
ب. وإذا تأملنا فى تكوين خلايا وجينات حواء ، وجدنا أن جزءاً من خلاياها وجيناتها كان من آدم ، بينما كان الجزء الآخر هو بعمل روح الله القدوس " فأوقع الرب الإله سُبَاتاً على آدم فنام . فأخذ واحدةً من أضلاعه ، وملأ مكانها لحماً . وبنى الرب الإله الضِلْع التي أخذها من آدم امرأةً ، وأحضرها إلى آدم " تك 2: 21-22 !
ومع ذلك لا نجد أحداً يشكك فى حقيقة كَوْن حواء " إنساناً " ، ولا في كَوْن جنسها " أنثى " !
ت. وإذا أردنا أن نقيس إنسانية " قايين " و " هابيل " ، ابنيْ آدم وحواء ، على أساس أن خلايا وجينات الأبناء لابد أن تكون نتاج إخصاب حيوان منوي ذكري لبويضة أنثوية ، قلنا إن الوالدين لم يكونا أصلاً نتاج الإخصاب البشري المعتاد .
ومع ذلك لا نجد أحداً يشكك في حقيقة " إنسانية " أو نوع جنس أبناء آدم وحواء !
- أمَّا في حالة الميلاد العذراوي للرب يسوع ، فلقد كان عمل الروح القدس هو إتمام وإنجاز " إنسانية " يسوع ، وذلك بأن خلق الروح القدس الجين الذكري الحامل للكروموسوم XY، وعند إخصابه للبويضة الأنثوية فى العذراء ، صار لدينا بويضة مُلَقَّحَة ، عند انقسامها فى عمليات متتالية ، كانت البداية لتكوُّن الأعضاء الإنسانية لجسد الجنين " لأنك أنت اقتنيتَ كُليتيَّ . نسجتني في بطن أمي ... لم تختفِ عنكَ عظامي حينما صُنِعْتُ في الخفاء ، ورُقِمْتُ في أعماق الأرض . رأتْ عيناكَ أعضائي ، وفي سفرك كلها كُتِبَتْ ، يوم تصَوَرَتْ ، إذ لم يكن واحد منها " مز 139: 13 ، 15-16 .