عقيدتنا في الإيمان والأعمال

(4) عقيدتنا في الإيمان والأعمال

رأينا فى الجزء الثانى من هذا الفصل أن الخلاص هو بالإيمان، وقد قرأنا فى (أفسس2: 8، 9) “...مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، .....لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ .....” وفى (رومية3: 28) “ ... الإِنْسَانَ يَتَبَرَّرُ بِالإِيمَانِ بِدُونِ أَعْمَالِ النَّامُوسِ.” .. وقد تبرر إبراهيم بالإيمان (رومية4: 2، 3). ولكن الكتاب يقول أيضاً:

” مَا الْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِي إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَاناً وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ؟ هَلْ يَقْدِرُ الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟” (يعقوب2: 14) ثم يمضى الرسول يعقوب ويقول:”أَلَمْ يَتَبَرَّرْ إِبْرَاهِيمُ أَبُونَا بِالأَعْمَالِ، إِذْ قَدَّمَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ؟ ....تَرَوْنَ إِذاً أَنَّهُ بِالأَعْمَالِ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ، لاَ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ.” ( يعقوب2: 21، 24).

ونسمع أن الخلاص هو بالأعمال، ولو أن كنيستنا تؤمن برأى الإنجيل فى أن الخلاص هو بالإيمان وحده.. فما هو الرأى الكتابى الكامل؟ وهل يوجد تناقض بين ما قاله الرسول بولس وبين ما ذكره الرسول يعقوب؟ هل يضارب الكتاب المقدس بعضه؟

بالطبع لا ! ولكن إليك هذه الحقائق الهامة التى توضح الموضوع كله:

1- يقول الرسول بولس إن الإنسان يتبرر أمام الله بالإيمان وحده، ويقول الرسول يعقوب إن الإنسان يتبرر أمام الناس وأمام ضميره بالعمل الصالح. فلا تبرير أمام الله إلا بالإيمان بما عمله المسيح لأجلنا، ولكن الناس لا يرون هذا الإيمان إلا من خلال العمل الصالح، ولذلك فان العمل الصالح يبررنا أمام الناس، ويبررنا أمام ضمائرنا. 

ويقدم الرسول يعقوب مثالين عن التبرير أمام الناس بالأعمال: إبراهيم وراحاب.. يقول إن إبراهيم تبرر بأعماله عندما قدم إبنه محرقة(يعقوب2: 21- والقصة وردت فى التكوين22). وواضح أن إبراهيم كان قد تبرر من قبل ذلك بكثير، فعندما آمن بوعد الله له، تبرر أمام الله بالإيمان (التكوين15: 6). تبرر أمام الله بالإيمان، وتبرر أمام الناس وأمام ضميره بالعمل الصالح فى طاعته لله وتقديم إبنه محرقة.  

أما راحاب فيقول الرسول يعقوب عنها إنها “تبررت بالأعمال إذ قبلت الرسل وأخرجتهم من طريق آخر” (يعقوب2: 25- القصة فى يشوع2) – والتبرير الذى يقول يعقوب إنه جرى لراحاب هو تبريرها أمام بنى إسرائيل، فأنقذوها وأهلها من خراب أريحا. أما تبريرها أمام الله فقد حدث عندما آمنت به من قبل أن يصل الجواسيس إلى بلدها. وبسبب هذا الإيمان قبلت الجواسيس الذين يسميهم الرسول يعقوب “ الرسل”. ( قارن يشوع2: 1و 10).

2- يتحدث الرسول بولس عن أهمية الإيمان القلبى الذى يخلص الحياة ويفدى من الخطية، وهو الإيمان الذى يثمر العمل الصالح، بعد أن يحدث تغيراً فى الحياة. وفى كل كتابات بولس نرى تنبيراً على العمل الصالح كثمر للإيمان، فهو يطلب أن يزداد المؤمنون فى كل عمل صالح (2كورنثوس9: 8) وفى الأصحاح المشهور الذى يتكلم فيه عن أن الخلاص بالإيمان وليس من أعمال كيلا يفتخر أحد، يقول أيضاً:” لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا.” ( أفسس2: 10). وهو يطالب النساء المؤمنات بالعمل الصالح(1تيموثاوس2: 10، 5: 10) وهو يوضح أن الهدف من الكتاب المقدس هو أن يكون “ .... إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّباً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ.” (2تيموثاوس3: 17). ويطلب أن يقدم القسيس نفسه قدوة للشعب فى الأعمال الصالحة الحسنة (تيطس2: 7) ويطلب من القسيس أن يعظ الشعب “....ِكَيْ يَهْتَمَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ أَنْ يُمَارِسُوا أَعْمَالاً حَسَنَةً......” (تيطس3: 8).

وهكذا نرى أهمية العمل الصالح كثمر للإيمان، وكنتيجة حتمية له. فالأصل هو الإيمان، والعمل تابع له.

3- ويهاجم الرسول يعقوب نوعاً من الإيمان، هو الإيمان العقلى الذى لا ينشئ تغييراً فى الحياة، وهو شبيه بإيمان الشياطين الذين يؤمنون ويقشعرون ولكنهم لا يتوبون ولا يتغيرون (يعقوب2: 19). ويهاجم الرسول يعقوب الشخص الذى يقول إنه مؤمن، ولكن عمله لا يظهر هذا الإيمان.. الشخص الذى يقول للعريان: استدفئ، ولكنه لا يكسوه، والذى يقول للجائع: إشبع، ولكنه لا يطعمه ! هذا هو الإيمان الميت، إيمان المعرفة الذى لم ينزل إلى القلب، فلم يثمر محبة ولا سلوكاً !

هذا الإيمان العقلى الذى يهاجمه الرسول يعقوب يشبه إيمان سيمون الساحر الذى لما رأى معجزات الرب على يدى الرسول بطرس آمن إيماناً عقلياً، ولكنه لم يكن إيماناً عاملا، فقال له بطرس: “ .. قَلْبَكَ لَيْسَ مُسْتَقِيماً أَمَامَ اللهِ. فَتُبْ مِنْ شَرِّكَ هَذَا وَاطْلُبْ إِلَى اللهِ عَسَى أَنْ يُغْفَرَ لَكَ فِكْرُ قَلْبِكَ،” (أعمال8: 13، 21، 22).

4- يتحدث الرسول بولس ضد الأعمال الصالحة التى ليست ثمراً للعلاقة الصحيحة مع الله، لأن صاحب هذا العمل يظن أنه بفضل أعماله الصالحة يحصل على الغفران وعلى حق دخول السماء! هو العمل الصالح الذى افتخر به الفريسى بأنه يدفع العشور ويصوم مرتين فى الأسبوع (لوقا18: 9- 14) ولكن الله لم يقبل هذا الفريسى ولم يغفر له خطاياه!

كان اليهود يعتقدون أن الخلاص هو بعمل ما جاء فى ناموس موسى، ولكن الرسول بولس يهاجم هذه الفكرة ويقول إن الخلاص لا يكون إلا بالإيمان بالمسيح.. وتعليل ذلك أنه لو كان الخلاص هو بأعمال الإنسان الصالحة فقط لكان موت المسيح بلا سبب !

وقد يتبادر إلى ذهن القارئ سؤال: ماهى فائدة العمل الصالح الذى يقوم به شخص لم يفتح قلبه للمسيح؟

والإجابة هى أن هذا العمل الصالح ينفع غير المؤمن هنا على الأرض، ولكنه لا ينفعه فى السماء، فالذى يعمل الخير يرضى عن نفسه ويرضى الناس عنه، ولكنه لا يحصل على رضى الله، فانه بدون إيمان لا يمكن إرضاء الله (العبرانيين11: 6).

إن غير المؤمن الذى عمل العمل الصالح يشبه شخصاً نزل ملعب كرة قدم أثناء مباراة، واستطاع أن يودع الكرة شبكة المرمى.. لقد أصاب الهدف، لكنها إصابة لا تحتسب له ! إن حكم المباراة لا يحتسب الإصابة إلا إذا كان اللاعب أحد أفراد الفريق الذى يلعب. هكذا يجب أن تكون أنت أحد أبناء الله حتى يحسب الله لك العمل الصالح.

العمل الصالح أساسى، ومقبول من الشخص الذى ينتمى إلى عائلة الله.


طباعة