عقيدتنا في عمل الروح القدس

(8) عقيدتنا في عمل الروح القدس

فى هذا الفصل نتعرض لعمل الروح القدس. لكن قبل الكلام عن عمله يلزم أن نذكر شيئاً سريعاً عن لاهوت الروح القدس، فالروح القدس هو الأقنوم الثالث فى اللاهوت، وهو ذو شخصية حقيقية. والأدلة الكتابية على ذلك كثيرة ونكتفى هنا بأن نذكر أربعة شواهد نتركها للقارئ ليدرسها ثم ندخل مباشرة إلى موضوع الدراسة

وهوعمل الروح القدس، وهذه الشواهد هى (تكوين1: 2، مزمور139: 7، متى4: 1، 1كورنثوس2: 10- 13) وغيرها الكثير، إذ قد تسمى الروح بأسماء كثيرة فى الكتاب المقدس، أهمها روح الله – روح المسيح – روح الرب - روح الموعد – روح الحياة – روح النعمة – روح الحق- روح المجد – الروح المعزى.

ولهذه التسميات إرتباط بأعمال الروح الكثيرة التى نحاول أن نلخص أهمها فى العناصر الآتية:

أولاً : عمل الروح القدس فى الخليقة:

ومع أن ذكر الروح القدس كان محدوداً فى العهد القديم، إلا أنه كان واضحاً فى وجوده وفى اشتراكه فى أول عمل ذكر فى الكتاب المقدس. ونقرأ فى تكوين1: 2 “.. وروح الله يرف على وجه المياه”.

وفى تكوين 1: 21 “ وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا” والكلام هنا بصورة الجمع لوجود الثالوث، الآب والإبن والروح القدس، فى قصة الخليقة.

ثانياً: عمل الروح القدس فى كتابة الكتاب المقدس:

فهو يرشد الأنبياء، وهذا واضح من كلام موسى فى سفر (العدد11: 29) “ يَا ليْتَ كُل شَعْبِ الرَّبِّ كَانُوا أَنْبِيَاءَ، إِذَا جَعَل الرَّبُّ رُوحَهُ عَليْهِمْ!».” ويقول حزقيال: “ فَدَخَلَ فِيَّ رُوحٌ لَمَّا تَكَلَّمَ مَعِي. وَأَقَامَنِي عَلَى قَدَمَيَّ فَسَمِعْتُ الْمُتَكَلِّمَ مَعِي.” ( حزقيال2: 2) وبحلول الروح القدس يتنبأ البنون والبنات، ويحلم الشيوخ أحلاماً ويرى الشباب رؤى (يوئيل2: 28). 

وفى رسالة بطرس الرسول الثانية نقرأ “لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللَّهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.” (2بطرس1: 21).

ثالثاً: الروح القدس فى حياة الرب يسوع المسيح:

هو الذى أنبأ بمجيئه والأعمال التى يعملها وذلك قبل مجيئه بمئات السنين (أنظر إشعياء61: 1 مع لوقا4: 21).

وهو الذى حل على العذراء مريم لتلد الطفل يسوع.

وكان مثل حمامة نازلاً فى أثناء معمودية يسوع من يوحنا المعمدان (متى3: 16).

وهو الذى قاد يسوع إلى البرية لكى يجتاز التجربة أمام إبليس (متى4: 1)

وهو وراء كل خدمة الرب يسوع للناس، وهذا ما قاله الرب يسوع نفسه عندما اقتبس ما جاء فى إشعياء61: 1، 2 ليعلن “«رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ، ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ».” (لوقا4: 18، 19).

رابعاً – الروح القدس فى الدعوة للإنجيل:

الروح القدس هو الذى يحرك ضمائر كل الناس ويوجههم أن ينتبهوا ليروا الله فى الطبيعة وفى الكتاب المقدس وفى الأحداث من حولهم، حتى أن كل من لا يقبل رسالة الإنجيل يعتبر مقاوماً للروح القدس. وهذا ما نسمعه فى خطاب إستفانوس فى ( أعمال7: 51، 52) “«يَا قُسَاةَ الرِّقَابِ وَغَيْرَ الْمَخْتُونِينَ بِالْقُلُوبِ وَالآذَانِ، أَنْتُمْ دَائِماً تُقَاوِمُونَ الرُّوحَ الْقُدُسَ. كَمَا كَانَ آبَاؤُكُمْ كَذَلِكَ أَنْتُمْ..... وَقَدْ قَتَلُوا الَّذِينَ سَبَقُوا فَأَنْبَأُوا بِمَجِيءِ الْبَارِّ الَّذِي أَنْتُمُ الآنَ صِرْتُمْ مُسَلِّمِيهِ وَقَاتِلِيهِ،”

ورفض دعوة الروح القدس للخلاص هو أساس دينونة الخطاة، وقد قال الرب يسوع عن الروح القدس: “وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ. 9أَمَّا عَلَى خَطِيَّةٍ فَلأَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ بِي،” (يوحنا16: 8، 9)

وفى الرسالة إلى (العبرانيين 10: 29 ) “ فَكَمْ عِقَاباً أَشَرَّ تَظُنُّونَ أَنَّهُ يُحْسَبُ مُسْتَحِقّاً مَنْ دَاسَ ابْنَ اللهِ، وَحَسِبَ دَمَ الْعَهْدِ الَّذِي قُدِّسَ بِهِ دَنِساً، وَازْدَرَى بِرُوحِ النِّعْمَةِ؟.” وروح النعمة هو الروح القدس ويسميه هنا روح النعمة لأنه يقدم الخلاص مجاناً لكل الناس، لأن محبة الله هى لكل العالم “لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.”. والروح القدس هو الذى يقدم هذه الدعوة العامة لكل الناس.

وهكذا تكون هذه الدعوة العامة شهادة عليهم. فمع أن الشعب رتب مائدة للسعد الأكبر، وملأ للسعد الأصغر خمراً ممزوجة، فان عبارة النجوم لم تكن هى حجة الدينونة، بل عندما يقول “....فَإِنِّي أُعَيِّنُكُمْ لِلسَّيْفِ وَتَجْثُونَ كُلُّكُمْ لِلذَّبْحِ، لأَنِّي دَعَوْتُ فَلَمْ تُجِيبُوا، تَكَلَّمْتُ فَلَمْ تَسْمَعُوا، بَلْ عَمِلْتُمُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ، وَاخْتَرْتُمْ مَا لَمْ أُسَرَّ بِهِ».” (إشعياء65: 11، 12) ويكرر إرميا نفس الكلام فى (إرميا7: 13) “ دعوتكم فلم تجيبوا”.

ولكن إلى جانب هذه الدعوة العامة المقدمة للعالم أجمع نرى للروح القدس عملاً آخر فى الدعوة الفعالة، لأن كثيرين يدعون وقليلون ينتخبون وسوف نتعرض لشرح هذا الفكر فى العنصر التالى وهو:

خامساً- عمل الروح القدس فى المؤمنين:

تقديم الدعوة الخاصة:

مع أن الروح القدس يقدم الدعوة العامة لكل الناس، إلا أنه يقدم الدعوة بصفة خاصة للمعينين للملكوت.. وهذا ما اتفق اللاهوتيون على تسميته “الدعوة الفعالة” أو “النعمة الفعالة” “لأن الذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم أيضاً. والدعوة هنا خاصة بالروح القدس، لأنه لا يقدر أحد أن يعترف بيسوع المسيح رباً إلا بالروح القدس. لأن قبول الخلاص ليس بالأعمال بل بالإيمان، والإيمان ذاته نعمة، أى عطية مجانية من الله، بعمل الروح القدس. فنقرأ فى (رومية11: 5-7)  “فَكَذَلِكَ فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ أَيْضاً، قَدْ حَصَلَتْ بَقِيَّةٌ حَسَبَ اخْتِيَارِ النِّعْمَةِ. فَإِنْ كَانَ بِالنِّعْمَةِ فَلَيْسَ بَعْدُ بِالأَعْمَالِ، وَإِلاَّ فَلَيْسَتِ النِّعْمَةُ بَعْدُ نِعْمَةً. وَإِنْ كَانَ بِالأَعْمَالِ فَلَيْسَ بَعْدُ نِعْمَةً، وَإِلاَّ فَالْعَمَلُ لاَ يَكُونُ بَعْدُ عَمَلاً. فَمَاذَا؟ مَا يَطْلُبُهُ إِسْرَائِيلُ ذَلِكَ لَمْ يَنَلْهُ، وَلَكِنِ الْمُخْتَارُونَ نَالُوهُ. وَأَمَّا الْبَاقُونَ فَتَقَسَّوْا،”.

فبالروح القدس وحده يولد المؤمن الولادة الجديدة، فنقرأ فى (يوحنا1: 13) “اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ، بَلْ مِنَ اللَّهِ.” وفى (يوحنا3: 5) ويقول الرب يسوع لنيقوديموس “....«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللَّهِ.” والروح القدس بعد أن يقدم الدعوة الخاصة:

يرشد إلى الحق:

وهكذا قال عنه الرب يسوع “وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ رُوحُ الْحَقِّ فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ....” (يوحنا16: 13) وهكذا يدرك المؤمن ما جاء بالكتب المقدسة بل بالحرى يدرك من هو المسيح المعلن فى الكتب المقدسة، لأن المسيح هو الحق. وهكذا فانه بعمل الروح القدس يأتى الإنسان إلى المسيح “.... بَلِ الرُّوحَ الَّذِي مِنَ اللهِ، لِنَعْرِفَ الأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ اللهِ، الَّتِي نَتَكَلَّمُ بِهَا أَيْضاً لاَ بِأَقْوَالٍ تُعَلِّمُهَا حِكْمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ، بَلْ بِمَا يُعَلِّمُهُ الرُّوحُ الْقُدُسُ،....” (1كورنثوس2: 12، 13) وهكذا يخاطب بولس الرسول مؤمنى تسالونيكى قائلاً: “....أَنَّ اللهَ اخْتَارَكُمْ مِنَ الْبَدْءِ لِلْخَلاَصِ، بِتَقْدِيسِ الرُّوحِ وَتَصْدِيقِ الْحَقِّ.” (2تسالونيكى2: 13).

تجديد المؤمن:

بعد أن يقدم الروح القدس الدعوة ويعطى القوة لمعرفة الحق يمنح المؤمن الحياة الجديدة، إذ يقول بولس الرسول فى رسالته إلى (تيطس3: 3-5) “لأَنَّنَا كُنَّا نَحْنُ أَيْضاً قَبْلاً أَغْبِيَاءَ، غَيْرَ طَائِعِينَ، ضَالِّينَ، مُسْتَعْبَدِينَ لِشَهَوَاتٍ وَلَذَّاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، عَائِشِينَ فِي الْخُبْثِ وَالْحَسَدِ، مَمْقُوتِينَ، مُبْغِضِينَ بَعْضُنَا بَعْضاً. وَلَكِنْ حِينَ ظَهَرَ لُطْفُ مُخَلِّصِنَا اللهِ وَإِحْسَانُهُ - لاَ بِأَعْمَالٍ فِي بِرٍّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ -خَلَّصَنَا بِغَسْلِ الْمِيلاَدِ الثَّانِي وَتَجْدِيدِ الرُّوحِ الْقُدُسِ،” ومن هنا يتضح أن الروح القدس هو الذى يقوم بعملية التجديد فى حياة المؤمن، فيموت عن الخطية لكى يولد للبر.

هو ينير الخاطئ ويجدد قلبه ويحرك عواطفه مرشداً إياه إلى المسيح ليقبل الإيمان ويصبح قادراً على العيشة المسيحية.

(د)   يعطى المؤمنين التبرير:

الذى بموجبه يصيرا ابناً لله “لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ. إِذْ لَمْ تَأْخُذُوا رُوحَ الْعُبُودِيَّةِ أَيْضاً لِلْخَوْفِ، بَلْ أَخَذْتُمْ رُوحَ التَّبَنِّي الَّذِي بِهِ نَصْرُخُ: «يَا أَبَا الآبُ!». اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضاً يَشْهَدُ لأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلاَدُ اللهِ....” (رومية8: 14-17 ). وشهادة الروح هنا ليست مجرد الاعلان بل هى العمل أيضاً، إذ هو ينقل إلينا كل فوائد عمل المسيح لفدائنا ونقلنا إلى الملكوت.

(هـ) يعطى المواهب للمؤمنين:

لكى تكون لهم خدمة فعالة، وإذا رجعنا إلى الرسالة الأولى إلى كورنثوس الاصحاح الثانى عشر نجد الكلام عن أنواع المواهب المختلفة، لكن الروح واحد، وأنواع أعمال مختلفة موجودة، ولكن الله واحد، الذى يعمل الكل فى الكل- أى أن الروح القدس هو الذى يعمل كل الأعمال فى كل المؤمنين على اختلاف مواهبهم. فالمؤمن يعطى كلام الحكمة، ولآخر كلام علم، ولآخر إيمان، ولآخر مواهب شفاء، ولآخر عمل قوات، ولآخر نبوة، ولآخر تمييز الأرواح، ولآخر أنواع ألسنة، ولآخر ترجمة الألسنة... ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد قاسماً لكل واحد بمفرده كما يشاء. وهكذا نرى أن مشئية الروح تتدخل فى توزيع المواهب والأعمال بحسب الفرد وحسب الظروف والحاجة الموجودة. فلما كانت هناك حاجة إلى من يتكلم لغة أجنبية حتى يفهم كل واحد إنجيل المسيح بلغته أعطى موهبة الكلام بألسنة.

ولما كان هناك الاحتياج إلى النبوة تنبأ المؤمنون بالروح، ولما كان هناك الاحتياج إلى الوعظ أفرز الروح وعاظاً مثل استفانوس. وهكذا نرى أن الروح القدس هو الذى يتحكم فى نوع الموهبة ونوع الخدمة التى يقوم بها كل مؤمن على حدة، بل قد تختلف رسالة المؤمن الواحد من وقت إلى وقت حسب الحاجة. فنرى بين الشمامسة – الذين هم أصلاً لخدمة الموائد- نرى منهم من خرج للوعظ. وبولس المفرز ليحمل الإنجيل، يأتى الوقت الذى فيه يمارس خدمة شفاء المرضى، وهكذا.

وإن كان الروح وراء الأعمال التى يعملها المؤمن، فهو أيضاً للمؤمن:

(و) للتقديس:

“..... بَلْ تَقَدَّسْتُمْ بَلْ تَبَرَّرْتُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ وَبِرُوحِ إِلَهِنَا.” (1كورنثوس6: 11)- وإن كان التقديس هو الموت كل يوم عن الخطية والحياة للبر، فان هذا لا يمكن أن يحدث فى حياة المؤمن إلا بقوة وفاعلية الروح القدس، لأن الروح هو الذى يبكت على الخطأ، وهو الذى يعطى الفهم والقدرة على إدراك حياة البر وممارستها.

(ز) الروح يعطى الرجاء فى المجد فى المسيح:

وعندما يتكلم بولس فى رومية 15 عن الله انه إله الرجاء فانه يذكر إن الدخول إلى الرجاء والثبات فى هذا الرجاء والازدياد فى هذا الرجاء إنما هو بقوة الروح القدس “وليملأكم إله الرجاء كل سرور وسلام فلا الإيمان لتزدادوا فى الرجاء بقوة الروح القدس”.

(ح) كما أن الروح يكمل صلاة المؤمنين ويشفع فيهم:

“......وَكَذَلِكَ الرُّوحُ أَيْضاً يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا، لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلَكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا. وَلَكِنَّ الَّذِي يَفْحَصُ الْقُلُوبَ يَعْلَمُ مَا هُوَ اهْتِمَامُ الرُّوحِ، لأَنَّهُ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يَشْفَعُ فِي الْقِدِّيسِينَ.” (رومية8: 25-27) وهو بذلك يكمل صلواتنا ويعطينا التعزية. لذلك قال عنه الابن “إن لم انطلق لا يأتيكم المعزى”.

(ط) الروح هو الذى يفرز المبشرين بالكلمة:

فهو يوصى بافراز برنابا وشاول وهو الذى أقام الرعاة لرعاية رعية الرب إقرأ (أعمال13: 2، أعمال20: 28).

وأيضاً يعلم المفرزين كيف يجاوبون المضطهدين (مرقس13: 11، لوقا12: 12).

سادسا- عمل الروح القدس فى الكنيسة:

(أ) هو العامل لبدء الكنيسة، فقد أوصى الرب تلاميذه أن يبقوا فى أورشليم حتى يلبسوا قوة من الأعالى، حتى يأتى المعزى روح القوة. وقد ظل التلاميذ فى خوف، ومنهم من عاد إلى عمله الأول وهو صيد الأسماك، ومنهم من حاول الرجوع إلى قريته (عمواس)، إلى أن جاء يوم الخمسين. ولعل أهم ما تميز به يوم الخمسين هو حلول الروح القدس. وهنا كان البدء العلنى الواضح لكنيسة العهد الجديد، وهنا كانت أول معمودية جماعية. 

وإن كان الروح هو الذى يدعو الأفراد للخلاص، فانه هو نفسه الذى يضم هؤلاء الأفراد إلى الكنيسة، ليكتمل جسد المسيح.

(ب) هو الذى يحكم فى شئون الكنيسة فعندما اختلف بولس وبطرس فى موضوع التهود والختان وكان بطرس قد إنحاز إلى أصحاب فكرة لزوم تكميل الطقس اليهودى قبل الدخول. اجتمعت الكنيسة وناقشت الأمر، فى المسيحية، وطلبت إرشاد الروح القدس، وأخيراً جاء القرار ومقدمته “... قَدْ رَأَى الرُّوحُ الْقُدُسُ وَنَحْنُ أَنْ لاَ نَضَعَ عَلَيْكُمْ ثِقْلاً أَكْثَرَ ....” (أعمال15: 28).

(ج) والروح هو الذى يوجد القادة والعاملين فى الكنيسة، فيعلن لبطرس أن يكرز للأمم ويعلن لبطرس أن يقابل الرجال القادمين من قبل كرنيليوس (أعمال10). 

والروح هو الذى يقول لفيلبس:” ...«تَقَدَّمْ وَرَافِقْ هَذِهِ الْمَرْكَبَةَ»”.التى كان يجلس فيها وزير الحبشة لكى يقدم له رسالة الإنجيل (أعمال8: 29). والروح هو الذى يمنع بولس من التبشير فى آسيا الصغرى ليعلن له فى رؤيا أن يذهب إلى مكدونية.

(د) الروح هو الذى يوجه المواهب والخدمات فى الكنيسة لتقويتها وإستمرار خدمتها وبنيانها لأنها جسد المسيح.”لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ، لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ، إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِلٍ. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ.” (أفسس4: 12، 13).

وسفر أعمال الرسل كله عبارة عن سفر أعمال الروح القدس فى الكنيسة. وليست هذه هى كل أعمال الروح فى الكنيسة، فهو مازال يعمل، ولذلك نلاحظ أن سفر الأعمال هو السفر الوحيد فى العهد الجديد الذى بدون خاتمة، لأن الروح القدس استمر يعمل وما زال يعمل وسيظل يعمل إلى مجئ الرب ثانية، ليأخذ عروسه الكنيسة إلى المجد المعد قبل تأسيس العالم.

وكما كان فى جميع كنائس اليهودية، والجليل والسامرة سلام وكانت تبنى وتسير فى خوف الرب وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر (أعمال9: 31) هكذا أيضاً كانت كنائس الأمم، وهكذا الكنيسة اليوم وستظل إلى مجئ مخلصها.

ولنا فى الكتاب بعض التحذيرات الخاصة بالروح القدس:

لا تقاوموا الروح (أعمال7: 51).

ولا تحزنوا الروح ( أفسس4: 30).

ولا تطفئوا الروح ( أفسس5: 19).

ولا تجربوا الروح( أعمال5: 3).

ولا تدنسوا هيكل الروح (1كورنثوس3: 17، 6: 14).

ولا تزدروا بالروح (عبرانيين7: 29).

ولا تجدفوا على الروح (متى12: 31، 32، مرقس3: 28-30، لوقا12: 10).

إذاً الروح مازال يعمل ويجب ألا نقاومه، والتجديف على الروح هو النطق بالإهانة نتيجة التفكير الردئ ضد الله وصفاته وأعماله ورفض عمل الروح فى إعادة الخليقة عن طريق الدعوة للإيمان بالمسيح المخلص (أنظر مزمور14: 1، 10: 11، 50: 21) بقى أخيراً أن نذكر أن المعمودية بالروح هى المعمودية على إسم يسوع المسيح لغفران الخطايا وهى الولادة الجديدة. والإمتلاء بالروح هو ممارسة الحياة المسيحية والنمو فى حياة القداسة- لذلك فرفض الإيمان بيسوع المسيح الغافر الخطايا هو رفض لعمل الروح القدس الذى يشهد للمسيح وهذه هى الخطية التى لا تغتفر- التجديف على الروح القدس- لأن من يرفض شهادة الروح القدس يفقد فرصة التمتع بالغفران.


طباعة