(6) عقيدتنا في عدم هلاك المـؤمن (أو: الضمان الأبدى للمؤمن)
لقد تحدثنا عن أن التبرير هو بالإيمان، وعن ضرورة العمل الصالح كثمر للإيمان بالمسيح. ونتحدث هنا عن أن المؤمن الذى نال الحياة الجديدة فى المسيح، والذى يثمر عملاً صالحاً، يبقى ثابتاً فى النعمة، ولا يضيع من يد المسيح الذى وعد أتباعه بقوله: “خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي، وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي. أَبِي الَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْكُلِّ، وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي. أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ».” (يوحنا10: 27-30). وهذا يعنى أن المؤمن الحقيقى الذى أختبر المسيح وصار من ضمن قطيعه فعلاً، لا يمكن أن يهلك أبداً!. والسؤال: من هو المؤمن الحقيقى؟.
مثل الزارع يجاوب على هذا السؤال، وقد قال المسيح إنه مفتاح فهم بقية الأمثال التى رواها لنا (متى13: 1-23).
فى مثل الزارع نجد أربعة أنواع من التربة. الطريق يصور حال الذين لا يقبلون كلمة الله، والذين عندما يسمعونها لا يفهمون، فيجئ الشيطان ويخطف ما قد زرع فى قلوبهم- فكأنهم ما سمعوا! وهناك الأرض المحجرة، وهى تحكى حال الذين يسمعون الكلمة ويقبلونها حالاً بفرح، نتيجة التأثير العاطفى، ولكن ما أن تواجههم الضيقات حتى يعثروا ويسقطوا، لأن كلمة الله لا أصل لها فى نفوسهم، فلا يثبتون مع الرب. والنوع الثالث هو الأرض التى تنمو فيها كلمة الله، وفى الوقت نفسه ينمو فيها الشوك، ولما كان نمو الشوك أسرع فانه يخنق البذار الجيدة! وهذا يرمز إلى الذين يقتنعون بكلمة الله، ولكنهم يريدون أن يحتفظوا بخطاياهم، فيكون أن الخطايا والشهوات تخنق كلمة الله، فاذ بثمرها يذبل وينتهى.
أما النوع الرابع فهو الأرض الجيدة، التى يقبل صاحبها كلمة الله ويفهمها، ويثمر ثمراً صالحاً. وهذا هو الذى نسميه “المؤمن الحقيقى”. ويعتقد الإنجيليون أن مثل هذا المؤمن لا يهلك، و يضمنه المسيح ضماناً أبدياً.
براهين كتابية على صحة الثبوت فى النعمة:
نبدأ بالآيات الكتابية الواضحة التى تشرح هذه الحقيقة:
قول المسيح الذى أقتبسناه فى بدء هذا الحديث:”وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي.”. وقول المسيح أيضاً فى صلاته الشفاعية:”.... الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي حَفِظْتُهُمْ، وَلَمْ يَهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ابْنُ الْهلاَكِ، .... “ (يوحنا17: 12) وقول الرسول بولس: “لأَنَّ هِبَاتِ اللهِ وَدَعْوَتَهُ هِيَ بِلاَ نَدَامَةٍ.” (رومية11: 29) ( بمعنى أن الله الذى وهب الحياة الأبدبة لا يرجع فيندم على ما أعطاه للمؤمن، ولا يسحبه منه). وقول بولس أيضاً: “وَاثِقاً بِهَذَا عَيْنِهِ أَنَّ الَّذِي ابْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلاً صَالِحاً يُكَمِّلُ إِلَى يَوْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.” (فيلبى1: 6).. ويقول الرسول بطرس:”أَنْتُمُ الَّذِينَ بِقُوَّةِ اللهِ مَحْرُوسُونَ، بِإِيمَانٍ، لِخَلاَصٍ مُسْتَعَدٍّ أَنْ يُعْلَنَ فِي الزَّمَانِ الأَخِيرِ” (1بطرس1: 5) ( وهذا يعنى أن الفضل فى الحراسة يعود إلى قوة الله).
وتتضح هذه الحقيقة أيضاً من صدق عقيدة الاختيار، فقد اختار الله المؤمن للخلاص، بدون أى ضغط على الله ! فقد قال المسيح للتلاميذ: “لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ، ....” (يوحنا15: 16). فان كان الله قد اختار المؤمن، فهل يسحب هذا الخلاص منه فى يوم من الأيام؟ لقد اختار الله وخلص من الهلاك، فهل يترك ابنه يعود إلى هلاكه مرة أخرى؟ ألم يخلص نتيجة لوعظ بولس وبرنابا “ جميع المعينين للحياة الأبدية” ؟ (أعمال13: 48). أليس “.. الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ، ...” (رومية8: 29). وما أصدق قول الرب: “....«..َمَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَدَمْتُ لَكِ الرَّحْمَةَ.” (إرميا31: 3).
وتتضح حقيقة ثبوت المؤمن من شئ ثالث: ان المؤمنين ثابتون فى المسيح ومتحدون به. وما دام هو حياً فانهم سيحيون به ( يوحنا14: 19). ولذلك يقول الرسول: “فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ، وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ، وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً، وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.” (رومية8: 38، 39).
وهناك برهان رابع: إن الروح القدس يسكن فى المؤمن كختم وعلامة على أنه قد صار ملكاً للرب. والله يعطى المؤمن الروح القدس عربوناً للفداء الذى سيكمل (2كورنثوس1: 21، 22، 5: 5). ومادام الروح القدس قد وضع ختمه وعلامته على المؤمن فلا خوف عليه من الارتداد، لأن المؤمن الحقيقى مضمون بسكنى الروح فيه، فالعربون يضمن أنه للرب الذى دفع فيه أول الثمن، ويعنى أن بقية الثمن سيسدد، وهكذا فان سكنى روح الله فينا هى أول بركات الله لنا، وهو الضامن على استمرارنا فى رحلة الإيمان العظيمة.
وهناك برهان كتابى سادس على ثبوت المؤمن، وهو أن المسيح شفيع المؤمنين. استمع إلى صلاة المسيح الشفاعية لأجل تلاميذه ولأجل كل المؤمنين عبر العصور: “....احْفَظْهُمْ فِي اسْمِكَ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِداً كَمَا نَحْنُ.” (يوحنا17: 11- أنظر أيضاً آيتى 15، 20) والمسيح الآن جالس عن يمين الله يشفع فى المؤمنين (رومية8: 34). فهل يعقل أن شفاعة المسيح لأجل المؤمنين تكون بلا ثمر، فاذا بهم يرتدون ويسقطون؟؟
لابد أننا نذكر صلاة المسيح لأجل بطرس وسائر التلاميذ عندما طلبهم الشيطان ليغربلهم كالحنطة، فصلى المسيح لأجلهم لكى لا يفنى إيمانهم- وقد استجاب الله لذلك، وثبت إيمانهم ( لوقا22: 31، 32). فهل يهلك مؤمن يصلى المسيح لأجله؟؟.
نوعان من الذين سقطوا:
هناك أشخاص يذكر الكتاب المقدس أنهم سقطوا بعد إيمانهم. وينقسم هؤلاء إلى نوعين:
نوع كان إيمانهم التظاهر الكاذب، وهؤلاء ضاعوا- يقول عنهم الرسول يوحنا: “مِنَّا خَرَجُوا، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَّا، لأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مِنَّا لَبَقُوا مَعَنَا، لَكِنْ لِيُظْهَرُوا أَنَّهُمْ لَيْسُوا جَمِيعُهُمْ مِنَّا.” (1يوحنا2: 19).
نوع كان إيمانهم صحيحاً، وسقطوا فترة، ولكنهم رجعوا للرب بعد أن عمل روح الله فيهم، فأرجعهم الرب إليه بالتأديب أو بالتنبيه، أو بكليهما معاً. مثلاً: شمشون الذى ضل، نجد إسمه ضمن قائمة أبطال الإيمان، فقد أدبه الرب وأنقذ نفسه من الهلاك. وداود عندما سقط فى الخطية ضاعت منه بهجة الخلاص، لكنه لم يخسر الخلاص نفسه، لذلك لم يقل للرب: “رد لى خلاصك” بل قال: “ رد لى بهجة خلاصك” (مزمور51: 12).
هذا يوضح لنا أن المؤمن الحقيقى من نوع الأرض الجيدة لا يهلك.
شواهد كتابية تحتاج إلى شرح:
هناك شواهد كتابية كثيرة تفيد إمكان هلاك المؤمن، فقد قال حزقيال: “وَإِذَا رَجَعَ الْبَارُّ عَنْ بِرِّهِ وَعَمِلَ إِثْماً وَفَعَلَ مِثْلَ كُلِّ الرَّجَاسَاتِ الَّتِي يَفْعَلُهَا الشِّرِّيرُ، أَفَيَحْيَا؟ كُلُّ بِرِّهِ الَّذِي عَمِلَهُ لاَ يُذْكَرُ. فِي خِيَانَتِهِ الَّتِي خَانَهَا وَفِي خَطِيَّتِهِ الَّتِي أَخْطَأَ بِهَا يَمُوتُ.” ( حزقيال18: 24).
وقال المسيح: “كل غصن فىَّ لا يأتى بثمر ينزعه” (يوحنا15: 2). وقال كاتب العبرانيين: “لأَنَّ الَّذِينَ اسْتُنِيرُوا مَرَّةً، وَذَاقُوا الْمَوْهِبَةَ السَّمَاوِيَّةَ وَصَارُوا شُرَكَاءَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَذَاقُوا كَلِمَةَ اللهِ الصَّالِحَةَ وَقُوَّاتِ الدَّهْرِ الآتِي، وَسَقَطُوا، لاَ يُمْكِنُ تَجْدِيدُهُمْ أَيْضاً لِلتَّوْبَةِ، إِذْ هُمْ يَصْلِبُونَ لأَنْفُسِهِمُِ ابْنَ اللهِ ثَانِيَةً وَيُشَهِّرُونَهُ.” (عبرانيين6: 4-6).
(راجع أيضاً عبرانيي10: 26، 27 و 2بطرس2: 20، 21).
هذه الآيات كلها تصف حال المؤمن غير الحقيقى، الذى يظهر صورة الإيمان ولكنه لا يمتلك قوته. انه النوع الذى ينتمى للأرض المحجرة وإلى الأرض التى تنمو فيها البذار الصالحة مع الأشواك، فتختنق البذار الصالحة.
هل أنت مؤمن حقيقى؟
هل أنت أرض جيدة؟
إن المسيح يضمن المؤمن الحقيقى، ولن يخطفه أحد من يد المسيح، ويمكنه أن يقول مع بولس بكل ثقة: “... لأَنَّنِي عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ، وَمُوقِنٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ. (2تيموثاوس1: 12).