نشيد المحبة

فهرس المقال

مقدمة

كتب الرسول بولس هذا الأصحاح ضمن رسالة أرسلها لكنيسة كورنثوس، وهي كنيسة تشبه كنيسة اليوم إلى حدٍ كبير. فكما احتاجت كنيسة كورنثوس للتنبير على المحبة، كما يصفها أصحاح المحبة العظيم (1كورنثوس 13) نحتاج نحن اليوم للفضيلة نفسها، وهي أعظم جميع الفضائل.

1- كانت كنيسة كورنثوس منقسمة إلى فِرقٍ وأحزاب، بسبب الاتكال على الحكمة البشرية (1كورنثوس 1: 1-16) فقال لهم الرسول بولس إن الفصاحة والفلسفة لا تحتلان المكانة الأولى في حياته (1كورنثوس 1: 17-2: 16) ولكن غرضه الوحيد هو أن ينادي بالمسيح المصلوب (1كورنثوس 3، 4) الذي بيَّن لنا بصورة ملموسة المحبة السامية الباذلة التي تعطي دون أن تنتظر أخذاً ولا مكافأة.
وتحتاج كنيستنا اليوم لفكر المسيح، الذي هو فكر الصليب، فكر المحبة، لأن قول الرسول يصدُق علينا: «فِيكُمْ حَسَدٌ وَخِصَامٌ وَانْشِقَاقٌ» (1كورنثوس 3: 3).
2- أخطأت كنيسة كورنثوس عندما رحَّبت برجلٍ تزوج من أرملة أبيه. ربما كان غنياً أو ذا مركز اجتماعي متميز (1كورنثوس 5). ولو أنهم كانوا يحبونه حقاً لوبَّخوه على خطئه ليرجع إلى الله بالتوبة. فالمحبة توبخ المخطئ لأنها تكره الخطية وتحب الخاطئ. ونحن اليوم نحتاج للمحبة التي توبخ لتتوِّب، كما قال الحكيم: «أَمِينَةٌ هِيَ جُرُوحُ الْمُحِبِّ، وَغَاشَّةٌ هِيَ قُبْلاَتُ الْعَدُوِّ» (أمثال 27: 6).
3-  أظهر أهل كورنثوس روحاً مشاكسة تحب المشاكل والقضايا، حتى بلغ الأمر أن أحدهم رفع قضاياه أمام المحاكم المدنية ضد إخوته المؤمنين (1كورنثوس 6). والمحبة تثق في الكنيسة وفي المؤمنين. «أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْقِدِّيسِينَ سَيَدِينُونَ الْعَالَمَ؟» (1كورنثوس 6: 2). وما أكثر قضايا المسيحيين ضد المسيحيين في المحاكم المدنيَّة اليوم!
4- كانت كنيسة كورنثوس قد أرسلت رسالة للرسول بولس تسأله عن الزواج (1كورنثوس 7) وعن الطعام الذي يقدمونه للأصنام: هل يأكلون منه أو يمتنعون عنه؟ (1كورنثوس 8-10). والمحبة هي الحل، وفيها إجابة كل سؤال. فالرجل يجب أن يحب زوجته كما يحب المسيح الكنيسة، والبيت السعيد يقوم على المحبة الصادقة. كما أن المحبة تجعل الإنسان يُحرص على مشاعر غيره من الذين يتفقون أو يختلفون معه في الأكل من اللحم المذبوح للوثن أو في الامتناع عن أكله.
ونحن اليوم نحتاج لأصحاح المحبة (1كورنثوس 13) لنبني بيوتنا على المحبة، ولنقيم علاقاتنا الفكرية مع المحيطين بنا على أساس المحبة، ولنصدر أحكامنا على الآخرين من منطلق المحبة.
5- سألت كنيسة كورنثوس بولس عن سلوك النساء في الكنيسة (1كورنثوس 11: 1-16) والمحبة هي الجواب، فالذي يحب يخضع لنظام الكنيسة، لأنه يحب رب الكنيسة. والزوجة الصالحة التي تعمِّر المحبة قلبها لا ترفع صوتها، ولا تعكر صفو العبادة في بيت الرب.
6- وسألت كنيسة كورنثوس عن وليمة المحبة التي كانت تسبق التناول من مائدة عشاء الرب (1كورنثوس 11: 17-37). والمحبة هي الجواب. فوليمة المحبة تعبير عن وحدة الجسد الذي هو الكنيسة، الذي سيأكل الخبز الواحد ويشرب الكأس الواحد.
7- وتحدث الرسول بولس عن المواهب الروحية (1كورنثوس 12، 13). وقد افتخر بعض أهل كورنثوس بمواهبهم، مع أنها عطية من عند الله وليست من اجتهاد أحد. الموهبة موهوبة وهي هدية من إنعام الروح القدس. وعلى أصحاب المواهب الطبيعية وفوق الطبيعية أن يستخدموا هذه الهدية لخدمة جسد المسيح، بكل محبة.
والهدف من الموهبة أن صاحبها يقول لأخيه بتواضع: «أنا خادمك بموهبتي». كما يقول الأخ لأخيه صاحب الموهبة، بتواضع أيضاً: «أنا محتاج إليك يا أخي لتخدمني بموهبتك». ولهذا تحدث الرسول بولس عن المحبة (1كورنثوس 13) بين أصحاحين تحدث فيهما عن المواهب (1كورنثوس 12 و14) ليقدم لنا الطريق الأفضل الذي يجب أن نسعى إليه ونجدّ فيه، وهو طريق المحبة فقال: «جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ الْحُسْنَى. وَأَيْضاً أُرِيكُمْ طَرِيقاً أَفْضَلَ»(1كورنثوس 12: 31). فكل من يشاء أن يُظهر غيرته للمسيح، ورغبته أن يبني كنيسته، يجب أن يكون كاملاً في المحبة.
8- وفي 1كورنثوس 15 نجد الحديث عن القيامة. لقد أحبَّنا المسيح فجاءنا مولوداً في مذود، وعاش على أرضنا متواضعاً، ثم صُلب عنَّا، ومات ودُفن. وقام في اليوم الثالث من الموت ليكون باكورة الراقدين، وليُقيم كل من يؤمن به من موت خطيته، وليقيمه من القبر في اليوم الأخير (يوحنا 5: 28، 29). وكل من قاموا من موت خطاياهم، وينتظرون قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي يكونون «مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، عَالِمِينَ أَنَّ تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلاً فِي الرَّبِّ» (1كورنثوس 15: 58). فالمحبة هي جوهر الحياة التي نحتاجها اليوم.
والنموذج العظيم للمحبة هو المسيح، المحبة المتجسد. لو أنك قرأت صفات المحبة كما جاءت في أصحاحنا، وحذفت كلمة «المحبة» ووضعت كلمة «المسيح» بدلها، لوجدت المعنى واضحاً وصحيحاً، فنقرأ: «المسيح يتأنى ويرفُق. المسيح لا يحسد ولا يتفاخر ولا ينتفخ ولا يقبح..» وتجد في المسيح المحبة المتجسدة.
كانت المحبة واضحة في حياة المسيح وفي تعاليمه، فقد قال عن محبته الباذلة: «لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ» (يوحنا 15: 13). فقد اعتبر أعداءه الخطاة أصدقاءه وأحباءه، فبذل نفسه عنهم، ليجعل منهم فعلاً أحباءه وأصدقاءه. وتراه وهو يغسل أرجل تلاميذه يُظهر الحب الكامل «إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى» (يوحنا 13: 1).
وكانت المحبة واضحة في تعليمه وهو يقول: «بِهَذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضاً لِبَعْضٍ» (يوحنا 13: 35). «هَذِهِ هِيَ وَصِيَّتِي أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ» (يوحنا 15: 12).
وعندما سُئل عن الوصية الأولى والعظمى أجاب: ««إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلَهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. وَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. هَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى. وَثَانِيَةٌ مِثْلُهَا هِيَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. لَيْسَ وَصِيَّةٌ أُخْرَى أَعْظَمَ مِنْ هَاتَيْنِ»(مرقس 12: 29-31).
والآن تعالوا ندرس أصحاح المحبة، التي «لا تسقط أبداً» وفيه نجد:

القسم الأول: أهمية المحبة (آيات 1-3)
القسم الثاني: صفات المحبة (آيات 4-8أ)
القسم الثالث: دوام المحبة (آيات 8ب-13)


طباعة  

د. القس إبراهيم سعيد

د. القس إبراهيم سعيد

دكتورة فينيس نقولا

الدكتور القس منيس عبدالنور