التأمل اليومي: الإنسان بين الحياة والموت!

"ثُمَّ اضْطَجَعَ آسَا مَعَ آبَائِهِ وَمَاتَ فِي السَّنَةِ الْحَادِيَةِ وَالأَرْبَعِينَ لِمُلْكِهِ فَدَفَنُوهُ فِي قُبُورِهِ الَّتِي حَفَرَهَا لِنَفْسِهِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ وَأَضْجَعُوهُ فِي سَرِيرٍ كَانَ مَمْلُوّاً أَطْيَاباً وَأَصْنَافاً عَطِرَةً حَسَبَ صِنَاعَةِ الْعِطَارَةِ. وَأَحْرَقُوا لَهُ حَرِيقَةً عَظِيمَةً جِدّاً" (2أخبار 16: 13-14).

لقد أكرم الناس الملك آسا عند موته. لماذا؟ لأنه أكرمهم هو أثناء حياته! يتنوع البشر ما بين:

أولاً: الأحياء الأحياء: هؤلاء أحياء بأجسادهم، وأحياء –أيضًا- بتأثيرهم. تجدهم فرحًا مع الفرحين، وبكاءًا مع الباكين، هم كشجرة وارفة الظلال في يومٍ شمسه حارقة، وثمارهم من أفعال وأقوال شفاء للعليل. كما جاء عن يسوع: "الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْراً" (أعمال 10: 38).

ثانياً: الأحياء الأموات: هؤلاء أحياء بأجسادهم، لكن ليس لهم أي تأثير إيجابي في الحياة. يتسمون بالسلبية والنفعية. يقفون مكتوفي الأيادي تجاه عمل الخير، ينطبق عليهم قول الرسول يعقوب: "فَمَنْ يَعْرِفُ أَنْ يَعْمَلَ حَسَناً وَلاَ يَعْمَلُ، فَذَلِكَ خَطِيَّةٌ لَهُ" (يعقوب 4: 17).

ثالثاً: الأموات الأموات: رحلوا عنَّا بأجسادهم، ولا يُذكر لهم أي تأثير، بل الأكثر من ذلك قد يتركون من ورائهم دمارًا وخرابًا، فلا تطيق الأذن سماع سيرتهم، إنهم مثل يهورام، الذي قال الكتاب عنه: "ذَهَبَ غَيْرَ مَأْسُوفٍ عَلَيْهِ" (2أخبار 21: 20)، ينطبق عليه وكذلك من على شاكلته، القول: "كَانَ خَيْراً لِذَلِكَ الرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ" (متى 26: 24)

رابعاً: الأموات الأحياء: رحلوا عنَّا بأجسادهم، لكن تبقى سيرتهم العطرة، وقدوتهم الصالحة، وأفكارهم النيرة، وأفعالهم الخيِّرَة. هم مثل آسا الذي حزن عليه شعبه بعد موته، ومثل طابيثا التي عند موتها طلبوا من بطرس أن يأتي "فَلَمَّا وَصَلَ (بطرس) صَعِدُوا بِهِ إِلَى الْعِلِّيَّةِ فَوَقَفَتْ لَدَيْهِ جَمِيعُ الأَرَامِلِ يَبْكِينَ وَيُرِينَ أَقْمِصَةً وَثِيَاباً مِمَّا كَانَتْ تَعْمَلُ غَزَالَةُ وَهِيَ مَعَهُنَّ" (أعمال 9: 39).

أحبائي.. إن الحياة ليست بطولها وإنما بعمقها، وكما قال أحدهم: "ليس المهم إضافة سنوات إلى حياتنا، وإنما إضافة حياة لسنواتنا!"، إن الفرق بين حياة متوشالح الذي عاش طويلاً، وحياة يوشيا أو يوحنا المعمدان اللذان عاشا قصيراً، كالفرق بين كتاب كبير يسلب وقتك، وكتيب صغير يحتوي نفسك! فالكتاب ليس بحجمه وإنما بمحتواه.


طباعة