الكتاب: "الله والإلحاد .. الدليل المختصر للأسئلة حول وجود الله"
المؤلف: القس الدكتور أمير ثروت
الناشر: بي تي دبليو للترجمة والنشر.
يقع كتاب "الله والإلحاد"، في 128 صفحة من القطع المتوسط، وهو عبارة عن جزأين الجزء الأول يتكون من أحد عشر فصلاً، والجزء الثاني يتكون من أربعة ملاحق.
وتتجلى أهمية هذا الكتاب في عدة اعتبارات، أولها الكاتب، وهو قسيس إنجيلي مشيخي، ودكتور يملك من ناصية العلم الكثير، كما له اهتماماتٍ واضحة بموضوع الإلحاد وله عدة دراسات وقدَّم العديد من المحاضرات في هذا المجال، ثانيها أنَّ موضوع الكتاب يشغل بال الكثير من شبابنا هذه الأيام، وخاصة بعد ثورة اجتازتها بلادنا وحالة التشويش الديني التي صاحبت استغلال الدين في السياسة مما ساعد على تغييرات في الذهنية الفكرية لكثر من القطاعات وعلى رأسها الشباب في مدى جدوى الدين، وهل لله وجود؟، وهل له –إن كان موجوداً- دور في الأحداث التي يعانيها البشر؟، ثالث تلك الاعتبارات هو توقيت صدور هذا الكتاب، والتي أرى أنه جاء في وقته ليساعد الكثيرين منا في تطوير وتغيير أفكارنا وثوابتنا في نظرتنا ورؤيتنا للدين ولله، ومما يؤكد موضوعية الكاتب أنه لا يطره رؤيته على اعتبار أنها الأفضل أو الأصح أو النهائية، بل يطرح رؤيته وهو يؤكد أنها غير معصومة من الخطأ لكنها خطوة على درب البحث عن الحقيقة.
بدأ الكاتب كتابه بسؤال حيوي ووجودي، هل الله موجود؟، وما هي الآليات التي يجب علينا تتبعها للتأكد من وجود الله من عدمه؟ وقد اقترح الكاتب وأكدَّ على أهمية استخدام المنطق والبراهين المنطقية والعقلية، واحترام كل منها، بالرغم من وجود اختبارات روحية أو صوفية لدى البعض يتأكد من خلالها وجود الله، لكن الكاتب في هذا البحث ينحى نحو المنطق العقلي للتأكيد على وجود أو عدم وجود الله، وهو ينطلق مما كتبه الرسول بولس قائلاً: "لأَنَّ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ الْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ السَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ .." (رومية 1: 20)، ويبدأ الكاتب برصد خمسة دلائل يتأكد منها أن الله موجودٌ، الدليل الأول هو دقة تصميم الكون، الدليل الثاني تفرد الكائن البشري، الدليل الثالث البحث عن غاية، أو بمعنى آخر البحث عن هدف الوجود، الدليل الرابع التوق إلى الكمال، الدليل الخامس هو تحري الأخلاق.
كما يذكر الكاتب ثلاثة دلائل أخرى على وجود الله، وهي: الدليل النقلي من الكتب المقدس، ولاثاني هو شخص المسيح، والثالث التغيير العملي في حياة المؤمنين بالله، ويؤكد الكاتب على أنَّه برغم الأدلة المنطقية على وجود الله إلا أنَّ الله أكبر من المنطق الإنساني ككل، فالله يدلل عليه بالمنطق لكن المنطق لا يقدر أن يحوي الله.
وفي مواجهة القائلين بأنَّ الله يُدرك بالإيمان، يؤكد الكاتب على أنَّ الإيمان ما هو إلا خطوة عقلية، لأن العقل ذاته يتحرك بالإيمان، "بِالإِيمَانِ نَفْهَمُ أَنَّ الْعَالَمِينَ أُتْقِنَتْ بِكَلِمَةِ اللهِ، حَتَّى لَمْ يَتَكَوَّنْ مَا يُرَى مِمَّا هُوَ ظَاهِرٌ" (عبرانيين 11: 3)، وإن الأمر كذلك فما هي بذور الإلحاد وإنكار وجود الله؟، وهنا يستعرض الكاتب جذور وظهور فكرة الإلحاد بدء من القرن السادس عشر ويتتبعها وصولاً للقرن الحادي والعشرين، متناولاً أهم الأفكار والشخصيات التي أثرت وساعدت في انتشار الفكر الإلحادي وإنكار وجود الله. ويحلل الكاتب مشكلة الإنسان في فهم أو عدم فهم العلاقة بين الدين والله، وتأثير ذلك على تطور فكر الإلحاد، وما يؤكده الكاتب أنَّ هناك فاصلاً بين الله والدين، فالله ليس هو الدين، لأن الله واحد والأديان متعددة، وفهم أتباع الدين الواحد متعدد ومتغير، ويبقى الله واحد وثابت، فلا يمكن أن يُمتلك الله من أي دينٍ، ولا يحق لأي دين أن يعلن أنه يمتلك الله، وبذات النسق لا يمثل الله أي من أتباع أي دينٍ، وحتى رجال الدين لا يمكنهم أن يتحدثوا باسم الله إلا من خلال رؤية دينهم، وبالتالي فهم يتحدون باسم دينهم أو فهمهم للدين ولا يتحدثون ولا يملكون التحدث باسم الله.
ينتقل الكاتب لمناقشة قدسيَّة بعض الكتب، ولماذا تُقدس دون غيرها؟، وكيفية التعامل الدقيق مع تلك الكتب المقدسة، وما هو الجانب الإلهي والجانب الإنساني فيها، ويلفت النظر إلى المسافات التاريخية والجغرافية والروحية بين كتابة تلك الكتب وبين عصرنا الحالي وما ستكون عليه العصور اللاحقة، وكيف يتعامل الإنسان مع تلك المسافات!
ثم يتقدم الكاتب خطوة ليناقش العلاقة بين العلم والإيمان، مؤكداً أن العلم لا يقف حائلاً في طريق الإيمان، ويشرح كيف أن قليل من العلم يقود إلى الإيمان وكثير من العلم يقود إلى الإلحاد، ومزيد من العلم يعود بالإنسان إلى دائرة الإيمان مرة أخرى. وما الصراع الذي نشهده ليس صراعاً بين العلم والإيمان بقدر ما هو صراع بين العلم والدين. ثم يستعرض الكاتب أسماء كثير من العلماء المؤمنين، فالإيمان أو الإلحاد موقفان إنسانيان لا يتعلقان بالعلم.
وإن كان العلماء يبحثون في أصل الكون، ومصدر الخليقة، وفي ذلك تعددت نظرياتهم، يبقى الإنسان أمام نظريتان أولها أنَّ حتى أنَّ الصدفة والعشوائية لهما الدور الأكبر في إي تطور أو تغيير يحدث في الخليقة، في حين أنَّ المؤمن بوجود الله يرى أنَّ وراء كل عملية تطور عقلاً موجهاً هو الذي يقود هذا التغيير ويدفع في اتجاه هذا التطور.
وفي الفصل الثامن والتاسع يناقش الكاتب العلاقة بين الله والحرية، فهل في حرية الإنسان عدم وجود لله؟ وكيف يكون الإنسان حراً في ظل وجود إله يأمره وينهاه؟ وما هي العلاقة بين الحرية والخير؟ وهل حقاً إن كان الله موجوداً وخيراً وصالحاً أن يعاقب بعض من خليقته لأنهم لم يختروا أن يعبدوه؟ ما هي مساحات الحرية في علاقة الإنسان بالله؟ وهل لله دورٌ في وجود الشر والألم والمصائب والكوراث التي يعاني منها الإنسان؟ أليست المعاناة مسوغاً للإلحاد؟ ويستعرض الكاتب أسباب الكوارث والشرور التي يتعرض لها الإنسان، وعلاقة ذلك بحرية الإنسان من جهة، وبالقوانين الكونية من جهة أخرى، ويشرح معنى مصطلح عناية الله، وينتهي بتوضيح الفرق بين الشر والألم.
أما في الفصلين الأخيرين، فإن الكاتب يؤكد استحالة الإلحاد، فالملحد يرفض الإله الخطأ لصالح الإله الحقيقي، حتى وإن كان الملحد ينكر فكرة وجود الله من الأساس، فأغلب الفلاسفة والقادة الملحدين يرفضون إله يخدر الفقراء بفكرة الجنة والنعيم، أو الإله الذي يعتدي على حرية الإنسان ويسلبها منه، أو الإله الذي يريد لأتباعه الضعف، وما هذه كلها إلا صوراً مشوهة عن الإله الحقيقي. الإله الذي صوَّر الإنسان على صورته ومثاله، الإله الذي اتخذ من التجسد وسيلة ليُظهر بها ومن خلالها كم هو أحب ويحب الإنسان، إله صار إنساناً ليفتح الطريق للإنسان أن يكون شريكاً في الطبيعة الإلهية.
وفي الملاحق الختامية للكتاب، فإن الكاتب يضع العديد من الأسئلة التي تتحدى إيمان المؤمن كما تتحدى إيمان المُلحد! لكنه لا يترك القارئ دون أن يقدم دليلاً مختصراً لأشهر أسئلة الملحدين عن وجود الله.
يعتبر هذا الكتاب طرحًا جريئاً لموضوع شائكٍ يطرح نفسه بقوة في أيامنا هذه، ويحتاج الكثير من الدراسات والكتب في هذا المجال.