نبذة تاريخية عن الكنيسة الإنجيلية

إيماني الإنجيلي الزيارات: 1425

إن غاية المسيحية هى خلاص الإنسان نفساً وجسداً من حكم الشريعة الإلهية ومن سلطة الخطية وعقابها، ليحيا حياة مقدسة على الأرض، وينال الحياة الأبدية.

لهذا السبب جاء السيد المسيح إلى العالم وقدم حياته على الصليب.

ولكى يمكن لرسالة الخلاص أن تجد طريقها إلى مسامع الناس، رتب الله أن تكون الواسطة المنظورة لإعلان الإنجيل للبشر هى الكنيسة، التى أقامها الله بين البشر لتعلن الإنجيل، وتدعو للإيمان بالمسيح، وتبنى المؤمنين، وتدربهم على الحياة المسيحية والخدمة.

لذلك كان من واجب كل إنسان يقبل خلاص المسيح أن ينضم إلى الكنيسة ليكون عضواً فيها.

وأنت إذ تريد أن تنضم إلى عضوية الكنيسة الإنجيلية، لا شك أنك تتساءل عن تاريخ هذه الكنيسة وكيف نشأت، وهل الكنيسة الإنجيلية مذهب جديد مستحدث، أم هى الكنيسة التى أسسها المسيح  ورسله الأطهار. ولهذا نقدم إليك هذا الموجز، لتلخيص تاريخ الكنيسة الطويل على مدى أجيال كثيرة. ونريد أن نوجه نظرك إلى أن هذا الموجز إنما هو خطوط عريضة لتفاصيل كثيرة، يمكنك فيما بعد إذا شئت أن تدرسها بتوسع أكثر فى كتب تاريخ الكنيسة المسيحية.

لم يضع السيد المسيح أثناء حياته على الأرض نظاماً محدداً للكنيسة، لكن الرسل الأطهار فى القرن الأول المسيحى وضعوا نظاماً بسيطاً، إذ لابد من وجود نظام خارجى بسيط يساعد على ترتيب خدمة الكنيسة وتأدية رسالتها.

وأهم مظاهر هذا النظام هو:

اجتماعات مرتبة للعبادة، إذ كان التلاميذ يجتمعون يوم الأحد أول الأسبوع (أعمال20: 7).   

وقد كانت العبادة تتألف من الصلاة وكسر الخبز ( فريضة العشاء الربانى)، والوعظ والتسبيح.

إنتخاب موظفين فى الكنيسة هم الشمامسة لخدمة خاصة وهى توزيع المساعدات المادية على المحتاجين ( أعمال6: 1- 4).

تحديد مسئوليات لوظائف معينة فى الكنيسة حسب المواهب التى يعطيها الروح القدس مثل وظيفة الأسقف أى ناظر الكنيسة والمعلم فيها. وكلمة أسقف هى نفسها كلمة قسيس أو شيخ. كان بعض القسوس معلمين، وكان بعض القسوس مدبرين.

وجود نظام للعطاء فى الكنيسة (رومية15: 26، 1كورنثوس16: 1، 2).

قبول الأعضاء الذين يؤمنون بالمسيح إلى عضوية الكنيسة ( أعمال2: 47).

كان هذا هو النظام البسيط الذى عاشته الكنيسة المسيحية الأولى، لكن بمرور الزمن واتساع مجال خدمة الكنيسة فى داخل بلاد الامبراطورية الرومانية، تعقدت النظم فى الكنيسة وتشابكت، وظهرت وظيفة الأسقف باعتبارها أعلى من وظيفة القسيس، ودخلت إلى الكنيسة تعاليم غريبة نتيجة لاختلاط الكنيسة بأفكار العالم، وتقاليد الناس- وكثرت الهرطقات واجتمعت المجامع الكنسية التى جمعت الأساقفة من أنحاء العالم لكى تتفق معاً على عقيدة الكنيسة، وعندما كانوا يختلفون معاً على عقيدة ما، كانوا يحرمون بعضهم بعضاً.

ومن يقرأ تاريخ الكنيسة فى العصور القديمة والوسطى يرى كيف تحولت العبادة إلى طقوس ميتة وصار كل اهتمام رجال الدين هو جمع المال والحصول على سلطات دنيوية وسياسية، حتى لو اضطر الأمر إلى بيع الغفران بالمال، وبيع وظائف الكهنوت لمن يدفع أكثر. وهكذا ابتعدت الكنيسة عن نقاوة الإيمان وبساطة الحياة التى عاشتها فى أيام الرسل.

فى هذه الفترة حدثت تطورات كثيرة فى نظام الكنيسة وعقيدتها، فابتدأت الكنيسة تعتبر مجمع الأساقفة هو سلطتها العليا، وتغيرت وظيفة الأسقف من نظارة الكنيسة ورعايتها، إلى السيادة على القسوس فى الإيبارشية، ثم أصبح الأساقفة فى العواصم المركزية الكبرى بطاركة، أى رؤساء للأساقفة. وهكذا نشأ نظام التدرج فى الرتب الكهنوتية، وفى القرن الخامس الميلادى ظهرت فكرة الرياسة البطرسية التى تقول إن السيد المسيح جعل بطرس رئيساً على الرسل، وإن بطرس كان أول أسقف لروما، لذلك يكون أسقف روما رئيساً على الكنيسة. وقد عارض ذلك بطريرك القسطنطينية. ثم ساعدت الخلافات اللاهوتية حول طبيعة لاهوت المسيح إلى إنقسام الكنيسة إلى شرقية وغربية عام 431م عندما انفصل بطريرك القسطنطينية نسطورس عن الكنيسة الغربية التى أطلقت على نفسها إسم الكنيسة الكاثوليكية أى الكنيسة الجامعة. كما أن النزاع بين الكنائس الشرقية والغربية جعل الكنائس الشرقية تسمى نفسها الكنائس الأرثوذكسية أى ذات العقيدة المستقيمة.

وفى مجمع خلقيدونية (451م) حدث خلاف آخر حول طبيعة المسيح وهل هى طبيعة واحدة أم طبيعتان فانقسمت الكنائس أيضاً إلى شيع مختلفة، وانفصلت الكنيسة القبطية والأرمنية والسريانية عن باقى الكنائس الأرثوذكسية الأخرى.

وظلت الكنائس الشرقية معتزلة عن الكنائس الغربية.

ولا يمكن أن نتجاهل الرسالة التى قامت بها الكنيسة القديمة، إذ حفظت الإيمان المسيحى ضد الضلالات، وتحمل أوائل المسيحيون اضطهادات فظيعة من أجل إيمانهم، إلا أن الكنيسة ضعفت عندما شابهت العالم، واهتمت بالمراكز الدنيوية، حتى دخل العالم إلى حياة الكنيسة وعبادتها.

حركة الإصلاح الديني في عهد مارتن لوثر

وتعتبر قصة الإصلاح الدينى الذى تزعمه الراهب الألمانى مارتن لوثر فى القرن السادس عشر إحدى القصص الرائعة فى تاريخ الكنيسة، وهى توضح عناية الله بكنيسته وانتشالها من الفتور بل الموت الروحى، كما توضح بطولة قادة الإصلاح وتمسكهم بالحق الكتابى وتعرضهم لكثير من الضيقات فى سبيل الحفاظ على حق الإنجيل.

لم تكن محاولة مارتن لوثر هى أول محاولة لإصلاح الكنيسة، فقد جرت محاولات كثيرة من قبله تحاول أن تعيد إلى الكنيسة حياتها الروحية ونقاوتها، مثل محاولات جون ويكلف فى إنجلترا فى القرن الرابع عشر، وجون هس فى نهاية ذلك القرن وأوائل القرن الخامس عشر، وغيرهما. لكن الكنيسة حكمت على أمثالهم بالهرطقة، بل ان جون هس أحرق بالنار لأنه قال إن تعاليم الكتاب المقدس كافية لإرشاد الكنيسة، وأن الإنسان غير ملتزم بطاعة أوامر البابا إذا كانت تتعارض مع تعليم الكتاب المقدس.

لكن مارتن لوثر كان الرجل الذى دبرته عناية الله ليثور ضد سلطان البشر ويقود الكنيسة لتكون تحت سلطان كلمة الله وحدها.

كان لوثر راهباً كاثوليكياً وأستاذاً جامعياً، وحاول أن يتمم مطاليب الله فى حياته، لكنه تبين أنه مهما عمل الإنسان فانه عاجز عن إتمام مطاليب الله بصلاحه الشخصى وأنه يحتاج إلى نعمة الله ورحمته لينال الخلاص.  وقد اكتشف هذه الحقيقة العظيمة وهو يقرأ الكتاب المقدس فى القول: “ أما البار فبالإيمان يحيا” ( حبقوق2: 4، رومية1: 17) وكانت الشرارة التى أشعلت ثورة لوثر الدينية هى مجئ مبعوث من رئيس الأساقفة إلى بلدة مجاورة لبلدته ليبيع صكوك الغفران بالمال، لتخفيف عذاب المطهر لمن يشترى هذه الصكوك. وكانت العادة عند مناقشة أمر ما أن يكتب صاحب الرأى لوحة على باب الكاتدرائية يوضح بها رأيه. وفى 31 أكتوبر سنة 1517 كتب لوثر بياناً من 95 مادة أو فقرة وعلقها على باب الكاتدرائية، وفيها هاجم صكوك الغفران وانتقد تصرفات الكنيسة وقادتها.

وقد ثارت السلطات الكنسية ضد مارتن لوثر، وجرت عدة محاولات لمحاكمته، ولكنه وجد تعضيداً من بعض أمراء المقاطعات الألمانية- وأخذ لوثر يكتب كتبه يبين فيها شرحه لكلمة الله ومن أهم ما نادى به:-

أن الخلاص بالإيمان بالمسيح وليس بالأعمال الطقسية.

إن كل مؤمن له حق قراءة الكتاب المقدس، وله حق التقدم إلى الله مباشرة دون وساطة الكهنة لأن كل المؤمنين ملوك وكهنة.

 هاجم سلطان البابا فى التعليم، وأباح زواج رجال الدين.

عارض مذهب الاستحالة ( أى تحول الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه حرفياً فى فريضة العشاء الربانى).

وفى أبريل سنة 1521 وقف لوثر أمام محكمة يرأسها الامبراطور شارل الخامس، وكان يحضر المحاكمة عدد كبير من الأمراء والكاردينالات والنبلاء. وفى هذه المحاكمة تحدث لوثر طويلاً يدافع عن نفسه، ثم سأله الامبراطور عن طريق أحد الضباط أن يتكلم صراحة، ويجيب عن استعداده لينكر ويسحب ما سبق أن علم به وكتبه فى كتبه.

فكان جواب مارتن لوثر الصريح:

“ ما لم تقنعونى من الكتاب المقدس أن تعاليمى خطأ فانى لن اسحبها، ولن أقبل الاعتماد على تعاليم البابا أو قرارات مجامع الكنيسة، فانها كثيراً ما أخطأت وناقض بعضها بعضاً. إنى أقف الآن وضميرى أسير الكتاب المقدس، ولن أقف ضد ضميرى، وليكن الله معى”.

فهاج الحاضرون وطالبوا بحرقه، ولكن أمراء الألمان التفوا حوله وأخذوه بعيداً. وحكم الامبراطور بهرطقة لوثر. ومن ذلك الوقت نشأ مذهب الاصلاح الإنجيلى المعروف باسم مذهب البروتستانت. وقد نشأ هذا التعبير عام 1529 فى بلدة شباير بألمانيا عندما اجتمع مجمع كبير حاول أن ينكر حق أتباع لوثر فى الدعوة لمذهبهم، وحاول أن يحكم بتعذيبهم وحرمانهم من حقوقهم، وهنا احتج أتباع لوثر ضد هذا التعسف، ولذلك أطلق عليهم لفظ “ البروتستانت” أى “ المحتجين”.

نشأة الكنيسة الإنجيلية بمصر ونظامها الأساسي

نشأ المذهب الإنجيلى ( وهو معروف فى الخارج باسم الكنيسة المشيخية) نتيجة لحركة الإصلاح الدينى التى قام بها مارتن لوثر، فقد كان من قادة المصلحين الذين ساروا على منهج لوثر، لاهوتى فرنسى اسمه “جون كلفن” اشتهر بعمق دراساته اللاهوتية، ووضع مؤلفاً ضخماً أسماه “ النظم المسيحية” فيه شرح العقيدة الكتابية شرحاً مفصلا، وقد عاش جون كلفن فى جنيف بسويسرا وأنشأ فيها مدارس لتعليم المسيحيين العقيدة المسيحية، لأنه أعلن أن المسيحية والتعليم مرتبطان ارتباطاً وثيقاً، ومن يرد مسيحية قوية، فيجب عليه أن يفتح باب الدراسة واسعاً للمسيحيين.

وقد وضع جون كلفن النظام المشيخى فى الكنيسة، والذى بمقتضاه يختار الشعب من بينهم شمامسة لخدمة أمور الكنيسة الزمانية وجمع التقدمات والعناية بخدمة الفقراء، وشيوخاً مدبرين وهم الذين يدبرون أمور الكنيسة الإدارية ويزورون الأعضاء ويفتقدونهم، وشيخاً معلماً هو القسيس الذى يعظ بالكلمة، ويرأس مجلس الكنيسة.

وعقيدة الكنيسة المشيخية مبنية على أساس الكتاب المقدس وهى التى نقدمها إليك فى هذا الكتاب بإيجاز- أما نظامها الإدارى فهو مبنى على ما نفهمه من نظام كنيسة العهد الجديد، مع ما يلزم من ترتيبات إدارية ضرورية نتيجة لاتساع الكنيسة فى عدة أقاليم.

وقد انتشر المذهب المشيخى فى أوربا خاصة فى سويسرا ثم انتقل إلى اسكتلندا، وعندما هاجر كثيرون من البوتستانت من أوربا إلى أمريكا نتيجة للإضطهادات الدينية فى عهد بعض الملوك، انتشر المذهب المشيخى فى أمريكا.

أما تاريخ الكنيسة المشيخية فى بلادنا المصرية فيرجع إلى عام 1854 عندما جاء بعض المرسلين من هذا المذهب، ووجدوا الكنيسة المسيحية فى مصر فى حالة من الضعف والركود نتيجة لضعف التعليم وعدم قراءة الكتاب المقدس بلغة الشعب المعروفة وغير ذلك من الأسباب، فابتدأوا يعلمون الناس بكلام الإنجيل. وكان قد سبقهم بعض المرسلين من أوربا حاولوا جاهدين القيام بحركة إصلاحية داخل الكنيسة التقليدية، ولكنهم فشلوا بسبب معارضة البطاركة والأساقفة لهم، لذلك اضطر هؤلاء المرسلون أن يقوموا بجهدهم الكرازى خارج نطاق هذه الكنيسة.

وفى سنة 1860 إشترك سبع شخصيات على مائدة الرب فى الإسكندرية كان منهم سيدة، وكان هؤلاء السبعة هم النواة الأولى للكنيسة الإنجيلية فى مصر.

وفى 15 فبرابر سنة 1863 رسم أربعة شيوخ وثلاثة شمامسة لأول كنيسة إنجيلية فى مصر هى كنيسة الأزبكية، وفى نفس السنة أنشئت كلية اللاهوت الإنجيلية لإعداد القسوس اللازمين لخدمة الكنيسة.

ثم توالى تخرج القسوس من هذه الكلية وانتشارهم فى مختلف البلدان، وهكذا تأسست الكنائس ا”لإنجيلية فى أنحاء البلاد- وقد دعيت الكنيسة باسم “ الإنجيلية” بدلاً من “ المشيخية” لأن الناس كانوا يلاحظون أن هذه الكنيسة تهتم بتعليم الناس عن الإنجيل وتجعله أساساً لعقيدتها.

ونظام الكنيسة ديمقراطى، فالشعب يختار الراعى والشيوخ ومنهم يتكون مجلس الكنيسة فى بلد معين، ويشرف على مجالس الكنائس المحلية فى إقليم معين مجمع يتكون من جميع القسوس فى هذا الإقليم مضافاً إليهم شيخ واحد منتدب عن كل كنيسة. ويجتمع مجلس الكنيسة دورياً، ويجتمع المجمع ثلاث مرات فى السنة. ويجتمع جميع القسوس وشيخ عن كل كنيسة فى مصر كلها مرة واحدة فى السنة على هيئة “ سنودس” أى مجمع مقدس أعلى، وهو يشرف على كل نواحى الخدمة الروحية فى مصر.

ويختار كل مجمع وكذلك يختار السنودس كل عام رئيساً له من بين أعضائه يقود الجلسة أو الجلسات التى تعقد طيلة هذا العام، وهكذا تترك الكنيسة قيادتها للروح القدس وللجماعة المستنيرة بالروح القدس.

 وسنودس النيل الإنجيلى هو المجمع الأعلى للكنيسة الإنجيلية المشيخية فى مصر وهو يتكون من ثمانية مجامع، هى مجمع الدلتا، مجمع القاهرة، مجمع الأقاليم الوسطى، مجمع المنيا، مجمع ملوى، مجمع أسيوط، مجمع سوهاج، مجمع الأقاليم العليا.

وكانت هناك علاقة ودية بين الكنيسة الإنجيلية، والكنيسة المشيخية فى الولايات المتحدة الأمريكية، إذ كانت ترسل مندوبين لحضور المحفل العام لهذه الكنيسة، إلا أنه إبتداء من سنة 1958 خرج السنودس من رابطة المحفل العام للكنيسة المشيخية المتحدة المذكورة، وصار السنودس محفلاً عاماً قائماً بذاته. إلا أن الكنيسة الإنجيلية كانت مستقلة إستقلالاً مالياً عن الكنيسة فى أمريكا منذ عام 1926.

ويضيق المجال هنا عن ذكر الرسالة العظيمة التى قامت بها وتقوم بها الكنيسة الإنجيلية فى مصر، فى خدمة التعليم والكرازة ونشر الإنجيل، فان تأثيرها تعداها إلى الكنائس الأخرى وأصبحت رائدة فى خدمة المسيح. كما أنها أرسلت مرسلين منها إلى السودان، وفى وقت من الأوقات كان مجمع السودان جزءاً من السنودس ثم استقل أخيراً – وللكنيسة قسوس يخدمون فى كنائس بلدان كثيرة فى الشرق العربى مثل سوريا ولبنان والعراق والبحرين، والكويت، ومنهم من يخدم فى أوربا وأمريكا.

طباعة