يعقوب ابن زبدي

شخصيات كتابية الزيارات: 1525

يعقوب بن زبدي، الرجل الخفي!

- ربما ينحدر " يعقوب بن زبدي " من مدينة " بيت صيدا " فى الجليل يو 1: 44 ، أو من مدينة " كفر ناحوم " . وكان " يعقوب " يعمل صياداً للسمك " ثم اجتاز من هناك ( عند بحر الجليل ) قليلاً ، فرأى يعقوب بن زبدى ويوحنا أخاه ، وهما فى السفينة يُصْلحان الشِبَاك " مر 1: 19-20 ،وهو الأخ الأكبر لأخيه يوحنا ، إذ تضع الأناجيل اسمه دائماً قبل يوحنا مت 4: 21 ، 10: 2 ، 17: 1 ، مر 1: 19 ، 3: 17 ، 5: 37 ، لو 5: 10 .

- إن " يعقوب " يأتي من عائلة ميسورة الحال للأسباب الآتية :

أ‌. إن " زبدى " أبيه كان لديه مراكب للصيد ، وأَجْرَى يعملون عنده مر 1: 20 ، لو 5: 11 .

ب‌. ولنظراً لأن حجم العمل كان كبيراً ، لذلك كان " زبدى " فى شَراكة مع أندراوس وبطرس ابنى يونا لو 5: 10 .

ت‌. وكان ل " زبدى " منزل فى أورشليم ، يبدو أنه أعطاه ليوحنا ميراثاً له يو 19: 27 .

ث‌. كما كان لهذه الأسرة مكانة عند رئيس الكهنة ( قيافا ) فى أورشليم يو 18: 15-16 .

وفى الغالب مات " زبدى " بعد فترة قليلة من اتِّبَاع ابنيه ليسوع ، وبالتالى صار المجال مُتَاحاً لزوجته " سالومة " أن تتبع يسوع مع ابنيها .

- إن " سالومة " هى أم يعقوب ، وهى فى الغالب أخت العذراء مريم مت 27: 56 ، مر 15: 40 ، 16: 11 ، يو 19: 25 ، فتكون بالتالى خالة يسوع بحسب الجسد . وكانت من النساء اللاتى كُنَّ يخدمن يسوع من أموالهن ، وتَبِعَتْ يسوع فى رحلته الأخيرة إلى أورشليم ، وكانت عند الصليب مع ابنها يوحنا ، كما جاءت فجر الأحد لتدهن جسد يسوع بالأطياب مر 15: 40 ، 16: 1 .

- كان يعقوب أخاً متفاهماً مع أخيه الأصغر يوحنا ، وكان يتحمل المزيد من أعباء العمل فى المرات الكثيرة التى غاب فيها يوحنا ليذهب إلى بيت عَبْرة عند نهر الأردن ، إلى معلمه المعمدان يو 1: 35-40 ( وهو نفس الدور الذى قام به بطرس تجاه أخيه الأصغر أندراوس ) .

- كان يعقوب قد تعرَّف على يسوع كالمسيا من خلال شهادة أخيه يوحنا عنه ، الذى ربما اصطحب معه يعقوب أثناء زيارته الأخيرة للمعمدان ، فتعرَّف على يسوع هناك . وبهذا يُعْتَبَر يوحنا هو الأب الروحى لأخيه الأكبر يعقوب يو 1: 28 ، 35-42 !

فى ديسمبر سنة 26م ( الدعوة الأولى ، وعُرس قانا الجليل ) :

- ثم حضر يعقوب بعد ذلك مع يسوع عُرْس قانا الجليل يو 2: 1-11 ، حيث رأى مجد يسوع ، من خلال سلطانه على الماء ! لأن يسوع بدون أن ينطق بصلاة ، أو يضع يديه على أجران المياه ، حَوَّل الماء إلى خمر ، وهى العملية التى تستغرق شهوراً من الناحية الطبيعية ، ولكنه رأى يسوع وقد أنجزها فى ثوانٍ ، وذلك عندما قال للخدام الذين ملأوا الأجران ماء " استقوا الآن " ع8 ، فوجدوا الماء وقد تحوَّل خمراً ع9 !

وكان تعليق يوحنا بن زبدى أخيه فى إنجيله " هذه بداية الآيات ، فعلها يسوع فى قانا الجليل ، وأظهر مجده ، فآمن به ( ترد هذه الكلمة فى اليونانية بمعنى " فيه " ) تلاميذه ( وهم ابنا زبدى ، وابنا يونا ، وفيلبس ، وبرثولماوس فقط ) " يو 2: 11 !!

- ويُلاحَظ أن السِمَة التى لأجلها احتفظ بطرس ، ويعقوب ، ويوحنا بِقُرْب خاص من الرب ، هى أنهم كانوا قد آمنوا بيسوع كالمسيا المُخَلِص بدون أن يصنع أمامهم يسوع معجزة واحدة تثبت مسيانيته . فأندراوس ويوحنا كانا قد آمنا به بناء على شهادة يوحنا المعمدان من الكتب المقدسة ليسوع يو 1: 35-42 ، 45 ، وسمعان بن يونا ويعقوب بن زبدى آمنا به بناء على شهادة أخويهما عن يسوع .

فى شتاء سنة 28م ، فى كفر ناحوم ، عند بحيرة جنيسارت ( معجزة صيد السمك الوفير ، والدعوة الثانية ) :

- وجاء ترتيب الأحداث كالتالى :

أ‌. فى صباح أحد الأيام فى شتاء سنة 28م رأى يسوع سفينتين عند بحيرة جَنّيسَارَت ، والصيادين كانوا قد خرجوا منهما ليغسلوا الشِبَاك بعد ليلة فاشلة فى صيد السمك ، فطلب يسوع أن يدخل إحدى السفينتين - التى كانت لسمعان بن يونا - وأخذ يُعَلِم الجموع .

ب‌. ولمَّا انتهى من التعليم قال لسمعان والذين معه أن يدخلوا إلى العُمْق ويُلقوا شباكهم للصيد ، ولمَّا فعل سمعان ذلك أمسك سمكاً كثيراً جداً حتى صارت الشباك تتخرق ، فأشار سمعان إلى شركائهم الذين فى السفينة الأخرى ( يعقوب ويوحنا ابنى زبدى ) أن يُسْرِعوا ليساعدوهم ، فامتلأت السفينتان حتى كادتا أن تغرقا لو 5: 1-10 !

ت‌. ولمَّا جاءوا إلى البَرّ وَجَّه يسوع للأربعة التلاميذ دعوته الثانية لاتِّبَاعه ، والتى وردت بإيجاز فى إنجيلى متى ومرقس " ... هلم ورائى ، فأجعلكما صَيَّادى الناس ... فدعاهما " مت 4: 19 ، 21 ، " هلم ورائى ، فأجعلكما تصيران صيادى الناس ... فدعاهما للوقت ... " مر 1: 17 ، 20 . وكان رد الأربعة على الدعوة أن " تركوا كل شئ وتبعوه " لو 5: 11 .

ث‌. إن هذا يفسر كيف أن " زبدى " لم يعترض على ترك يوحنا ويعقوب له ، واتِّبَاعهم ليسوع ، وذلك بعدما رأى معجزة صيْد السمك الوفير " فللوقت تركا السفينة ، وأباهما ، وتبعاه " مت 4: 18-22 ، " فتركا أباهما زبدى فى السفينة مع الأجْرَى ، وذهبا وراءه " ، مر 1: 16-20 .

وفى كفر ناحوم فى شتاء سنة 28م ( شفاء حماة بطرس ) :

- كانت معجزة شفاء يسوع لحماة بطرس ، وهى المعجزة الوحيدة التى تواجد فيها معاً أول أربعة تلاميذ آمنوا بيسوع مت 8: 14-17 ، مر 1: 29-34 ، لو 4: 38-41 .

فى صيف سنة 28م ، فى كفر ناحوم ( الدعوة الثالثة ) :

- وبعد ليلة قضاها يسوع فى الصلاة على أحد الجبال فى كفر ناحوم ، قدَّم الدعوة الثالثة لأول أربعة تلاميذ كانوا قد آمنوا به ، بالإضافة إلى دعوته لتلاميذ آخرين ، واختار منهم اثنى عشر رسولاً ، ليكونوا مُرافقين دائمين له " دعا تلاميذه ( وكانوا بالمئات يو 6: 60 ، 66 ، 1كو 15: 6 ) ، واختار منهم اثنى عشر ، الذين سَمَّاهم أيضاً رُسُلاً " لو 6: 12-19 ، مت 10: 2-4 ، مر 3: 12-19 .

- وحدَّد الرب مهمة الإثنى عشر وهى " ليكونوا معه ، وليرسلهم ليكرزوا . ويكون لهم سلطان على شفاء الأمراض وإخراج الشياطين " مر 3: 14-15 .

- ويُلاحَظ فى اختيار الرب لابنى زبدى ليكونا له رسوليْن الآتى :

أ‌. أن الرب جعل لهما اسم " بُوَانَرْجِس ، أى ابنى الرعد " مر 3: 17 . وهذا يعنى أن الرب كان يعلم حِدَّة طباعهما من قبل ، وعلى الرغم من ذلك قَبِلهُما رسولين له !

ب‌. إن ابنى زبدى كانا يرتبطان برابطة قرابة جسدية بيسوع ، فهما ابنا خالته ، ومع ذلك لم يتردد يسوع فى ضمهما إلى الإثنى عشر رسولاً ، ثم إلى الثلاثة الرسل المُقَرَّبين منه وهم : بطرس ويعقوب ويوحنا . وكان يمكن اتهام يسوع بالمحاباة لصالح أقاربه بالجسد !

ت‌. إلا أن الملحوظة الجديرة بالذِكْر والدَرْس هى ذلك التواضع الذى ساد مجموعة الرسل الأربعة الأوائل . لقد كان ترتيب اتِّباعهم للرب تاريخياً وبحسب الأقدمية هو كالتالى :

1. أندراوس بن يونا .

2. يوحنا بن زبدى .

3. سمعان بن يونا ( بطرس ) .

4. يعقوب بن زبدى .

ث‌. لكن ترتيبهم بعد اختيارهم للعمل الرسولى صار كالآتى :

1. بطرس بن يونا ( كان ثالثاً ، فصار أولاً ! ) .

2. يعقوب بن زبدى ( كان رابعاً ، فصار ثانياً ! ) .

3. يوحنا بن زبدى ( كان ثانياً ، فصار ثالثاً ، بعد يعقوب أخيه ، مع أن يوحنا هو الأب الروحى ليعقوب ! ) .

4. أندراوس بن يونا ( كان أولاً فصار رابعاً مر 13: 3 ، مع أنه الأب الروحى لأخيه بطرس ) !

- ومن الواضح أن الرب كان قد عَيَّن بطرس قائداً لهذه المجموعة ، وذلك كما يظهر من ترتيب أسماء الرسل فى قوائم الإثنى عشر الواردة فى الثلاثة أناجيل وفى سفر أعمال الرسل ، والتى من الواضح أنها اتَّبَعت تقسيماً رباعياً ثابتاً مت 10: 2-4 ، مر 3: 16-19 ، لو 6: 14-16 ، أع 1: 13 .

وفى كفر ناحوم فى خريف سنة 28م ( إقامة ابنة يايرس ) :

- وعند إقامة ابنة يايرس ، يسجل الوحى المقدس هذا التصرُّف عن يسوع أنه " لم يَدَعْ أحداً يتبعه إلا بطرس ، ويعقوب ويوحنا أخا يعقوب " مر 5: 37 ، لو 8: 51 ، وذلك لأن إيمانهم فى قدرة يسوع على إقامة هذه الفتاة من الموت لم يتزعزع بدءاً من :

أ‌. لقاء يايرس بهم عند البحر فى كفر ناحوم ، وقوله ليسوع " ابنتى الصغيرة على آخر نسمة . ليتك تأتى وتضع يدك عليها ، لِتُشْفَى ، فتحيا " مر 5: 23 .

ب‌. السيْر فى الشوارع ولَمْس نازفة الدم ليسوع فى الطريق ، ثم لقائهم بالذى أخبر يايرس " ابنتك ماتت . لماذا تُتْعِب المُعَلِم بعد ؟! " ع35 .

ت‌. وحتى سماعهم قول يسوع لأبى الفتاة " لا تخف . آمن فقط " ع36 .

ث‌. إلى أن وصلوا إلى بيت الصبية وسمعوا يسوع يقول للنائحين " لماذا تضجون وتبكون ؟ لم تمت الصبية ، لكنها نائمة ! فضحكوا عليه ! " ع39-40 .

ج‌. ثم دخولهم إلى حجرة الصبية ، ومشاهدتهم ليسوع وهو يُمْسِك بيدها ، ويقول لها : " يا صبية ، لكِ أقول ، قومى ! " ع41-42 .

وفى نواحى قيصرية فيلبس ، فى صيف سنة 29م ( التجلى ) :

- وفى حادثة التجلى الإلهى ليسوع ، نجد أنه اصطحب معه على الجبل هؤلاء الثلاثة فقط : بطرس ويعقوب ويوحنا ؛ لأنهم كانوا الأقدر من غيرهم من التلاميذ على استيعاب وحِفظ معانى التجلى بالإيمان فى قلوبهم .

- ويقول البشير لوقا " وبعد هذا الكلام ( حديث يسوع عن آلامه ورفضه من شيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ، وموته ، وقيامته فى اليوم الثالث ع22 ) بنحو ثمانية أيام ، أخذ بطرس ويوحنا ويعقوب ، وصعدَ إلى جبل ، ليُصَلِى . وفيما هو يصلى صارت هيئة وجهه متغيرة ، ولباسه مُبْيَضاً لامعاً " لو 9: 28-29 .

والسؤال هنا هو : ماذا كان موضوع صلاة يسوع ؟ ولماذا كان التجلى الإلهى ليسوع ، وظهور موسى وإيليا معه ؟

- إن يسوع الذى كان يشعر فى ذلك الوقت بالرفض الشديد من قادة الأمَّة الإسرائيلية ، كان يتضرع فى صلواته للآب أن يعلن لتلاميذه حقيقة شخصه . وبالفعل أعلن الآب فى قيصرية فيلبس لسمعان بن يونا عن حقيقة شخص يسوع ، فقال سمعان ليسوع " ... أنت المسيح ابن الله الحى . فأجاب يسوع وقال له : طوبى لك يا سمعان بن يونا ، إن لحماً ودماً لم يُعْلِن لك ، لكن أبى الذى فى السموات " مت 16: 16-17 .

- وبعد هذا الإعلان المجيد عن ألوهية يسوع المسيح ، بدأ يسوع يُعَلِم تلاميذه أمراً بدا أنه مُناقِضٌ لهذا الإعلان وهو " أنه ينبغى أن يذهب إلى أورشليم ، ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ، ويُقْتَل ، وفى اليوم الثالث يقوم " مت 16: 21 !!!

لقد كان التساؤل الذى حارَ فيه التلاميذ هو : إذا كان يسوع ، هو المسيح ، ابن الله الحى ، فكيف يمكن لابن الله ، الحي ، أن يموت ؟؟؟ وهو نفس الاعتقاد الذى كان يسود اليهودية كلها يو 12: 32-34 .

- إن هذا التناقُض هو ما دعا بطرس إلى أن ينتهر يسوع قائلاً له " حاشاك يا رب . لا يكون لك هذا " ع21-23 ! لكن يسوع انتهر بطرس بشدة وقال له " اذهب عنى يا شيطان ! أنت معثرة لى ... " ع23 !!

- ولأن الرب يسوع شعر أن الإثنى عشر صَعُبَ عليهم فَهْم هذه الأُحجية ، ولم يقتنعوا بعد بالربط بين كَوْن يسوع هو المسيح ، وبين كَوْنه الله الظاهر فى الجسد . ومن هنا كانت صلوات الإنسان يسوع للآب السماوى ، طالباً منه أن يُقدم بالدليل القاطع برهاناً على صِحَّة الإعلان الذى أعطاه لبطرس فى قيصرية فيلبس .

إذاً كان البرهان المطلوب يقوم على إقامة الدليل القاطع على أمرين أساسيين وهما :

1. أن يسوع الناصرى ، هو المسيح ، الله الظاهر فى الجسد " أنت المسيح ، ابن الله الحي " مت 16: 16 .

2. أن الله الظاهر فى الجسد ، يمكن أن يتألم ويموت بالجسد فداءً لشعبه " ... يتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ، ويُقْتَل ، وفى اليوم الثالث يقوم " مت 16: 21 .

- ولأجل هذا أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا ، وصعد بهم إلى جبل عالٍ منفردين ، ليرفع هاتين الطِلبتين للآب . وكان أن استجاب الآب للطِلبتين " وفيما هو يصلى ( 1 ) صارت هيئة وجهه متغيرة ، ولباسه مُبْيَضاً لامعاً . ( 2 ) وإذا رجلان يتكلمان معه ، وهما موسى وإيليا " لو 9: 29-30 . ويمكن إيضاح الاستجابة السماوية كالآتى :

أ‌. استجابة الآب للطِلبَة الأولى : ولأن يسوع لم يكن من نفسه لِيُظْهِر ذاته الإلهيه " إذ كان فى صورة الله ، لم يحسب خُلسة أن يكون مُعَادِلاً لله ... " في 2: 6-7 ، لذلك سمح الآب بظهور ( بِتَجَلِي ) لمحة من الطبيعة الإلهية ليسوع ، وهو ما يُسَمَّى بالتجلى ، وكان هذا إثباتاً لإلوهية يسوع .

ب‌. استجابة الآب للطِلبَة الثانية : قام الآب بإرسال كل من موسى النبي ، الذى كان قد مات قبل ذلك الوقت ب 1400 سنة ، وهو يمثل شهادة الناموس ( الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم ) بأن المسيا الإله سيتألم ويموت ، كما أرسل إيليا النبي ، الذى نُقِلَ إلى السماء قبل ذلك الوقت ب 900 سنة ، وهو يمثل شهادة أنبياء العهد القديم فى ذات الشأن لو 24: 25-27 ، أع 3: 17-26 .

وقد لُوحِظَ هذا المعنى فى كلام موسى وإيليا مع يسوع ، وسماع التلاميذ الثلاثة لهذا الكلام " ... وإذا موسى وإيليا قد ظهرا لهم يتكلمان معه " مت 17: 1-3 ، وكان موضوع هذا الكلام أن " ... تكلما عن خروجه ( موته مصلوباً خارج أورشليم عب 13: 11-12 ) الذى كان عتيداً أن يُكَمِله فى أورشليم " لو 9: 31 .

ت‌. استجابة مزدوجة للطِلبَتين الأولى والثانية : وذلك لمَّا قال الآب للثلاثة التلاميذ " هذا هو ابنى ( مز 2: 7 ) الحبيب الذى به سررتُ . له اسمعوا " ع5 . إن كلمة " ابن " فى علاقتها مع شخص الآب ، تعنى أن الآب والابن هما واحد ، وذلك كما يتضح من مزمور 2: 7 لمَّا قال المرنم بروح النبوة " أنت ابنى . أنا اليوم ولدتك " ، فالآب هنا تكلم عن الاتحاد الأزلى بين الآب والابن فى قوله " أنت ابنى " ، ثم تكلم عن دخول الابن بالجسد إلى العالم فى قوله " أنا اليوم ولدتك " . فالمسيح ابن قبل ولادته بالجسد !

إنها الشهادة التى سمعها يوحنا المعمدان من السماء مت 4: 17 ، لكن الثلاثة الرسل ، الصيَّادين ، رأوا وسمعوا أعظم وأمجد مما رآه وسمعه يوحنا المعمدان !

- إن قيمة " يعقوب بن زبدى " تكمن في الآتي :

1. أنه من أوائل التلاميذ الذين أدركوا بالدليل القاطع أن الإنسان يسوع المسيح هو الله الظاهر فى الجسد ، الذى سيموت فداءً لشعبه من خطاياهم .

2. أنه تأكد من هذا بشهادة أعظم نَبِيَيْن فى العهد القديم ، وهما موسى وإيليا !

3. أنه أخذ وصية من الآب بأن يسمع ويصدق ما قاله ويقوله يسوع " له اسمعوا " مت 17: 5ب .

وفى السامرة ، فى أكتوبر سنة 29م ( طلب ابنا زبدى أن تنزل نار من السماء وتحرق قرية سامرية ! ) :

- وبعد بضعة شهور لم تشفع حادثة التجلى العظيم فى تهدئة طِباع يعقوب بن زبدى الحادة ، لمَّا طلب ، ومعه أخاه يوحنا ، من يسوع أن يسمح لهما باستخدام سلطانهما الرسولى ، بأن تنزل نار من السماء فتحرق قرية للسامريين رفضت استقبال يسوع وضيافته " فلمَّا رأى ذلك تلميذاه يعقوب ويوحنا قالا : يارب ، أتريد أن نقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم ، كما فعل إيليا أيضاً ( 2مل 1: 9-15 ، ولكنهما شاهدا هذا الذى أنزل النار فى القديم لتحرق 100 جندى بالإضافة إلى قائدى الخمسينيْن ، مع يسوع عند التجلى ، وهو يتحدث عن فداء وخلاص الشعب ، وليس عن هلاكهم !! ) ؟ " لو 9: 51-56 !

- وفات التلميذان أن أهل تلك القرية قد يكونوا مُحِقّين - من وجهة نظرهم - فى رفض استضافة يسوع لثلاثة أسباب أساسية :

أ‌. أن يسوع فى زيارته الأولى للسامرة فى ديسمبر سنة 27م ، وهو فى طريقه من اليهودية إلى الجليل ، كان قد مَرَّ بقرية سوخار ( نابلس ) ، ولكنه لم يتوجه إلى هيكل جرزيم المقدس ، الذي أشارت إليه المرأة السامرية فى حديثها مع يسوع " آباؤنا سجدوا فى هذا الجبل ( جبل جرزيم فى السامرة ) ، وأنتم تقولون إن فى أورشليم ( الهيكل هناك ) الموضع الذى ينبغى أن يُسْجَد فيه " يو 4: 20 ، ولا حتى بعد ترحيبهم به ، ودعوتهم له بالبقاء معهم ، ومكوثه معهم لمدة يومين ع39-43 !

ب‌. أنه وصل إلى عِلم أهل السامرة أن يسوع فى خريف سنة 29م أرسل 70 من تلاميذه إلى كل مكان فى فلسطين إلا السامرة لو 10: 1-16 ، مما جعل شعب السامرة يشعر بازدراء ذلك المعلم الجليلى لهم !

ت‌. وها هم الآن فى أكتوبر سنة 29م ، يرونه يتجه من الجليل إلى أورشليم ، ولا ينوى زيارة هيكلهم للمرة الثانية " فلم يقبلوه ؛ لأن وجهه كان متجهاً نحو أورشليم " لو 9: 53 ، فلماذا يُكْرمونه إذن ، وهو يستخف بمقدساتهم الدينية ، مُفَضِلاً عليها هيكل أورشليم ؟؟؟

وفى مارس سنة 30م ( طمع ابنا زبدى فى أهم مركزين فى ملكوت المسيا الأرضي ، من وجهة نظرهم ) :

- كان يسوع قد تكلم فى ذلك الوقت عَمَّا يمكن أن يُفْهَم منه أنه مُزْمِعٌ أن يؤسس ملكوتاً أرضياً ، فتحدث عن أمرين هما :

أ‌. جلوسه على كرسى مجده ، وجلوس الاثنى عشر ( وليس من بينهم الإسخريوطى بالطبع ! ) على 12 كرسى يدينون أسباط إسرائيل الاثنى عشر مت 19: 28 .

ب‌. أن أتباعه الذين تركوا كل شئ وتبعوه ، سيأخذون 100 ضعف ويرثون الحياة الأبدية ع29 .

- إن هذين الأمرين جعلا ابنى زبدى يُسْرعان لحجز أهم منصبين عن يمين ويسار يسوع فى مملكته الأرضية الآتية ، يدعمهما فى هذا الطلب صِلة قرابتهما الجسدية بيسوع ، ودعمهما المالى لخدمته (!) مت 19: 27-30 ، 20: 17-28 ، مر 10: 32-45 ، لو 18: 28-34 ، 19: 11 ، مما سَبَّبَ غيظاً وسط بقية التلاميذ !!

- ومن هنا كان الدرس لهما ولبقية التلاميذ فى أهمية التمييز بين ملكوت المسيح الحقيقى الذى ليس على مثال ممالك العالم " فدعاهم يسوع وقال : أنتم تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم ، والعظماء يتسلطون عليهم . فلا يكون هكذا فيكم . بل مَنْ أراد أن يكون فيكم عظيماً ، فليكن لكم خادماً . ومَنْ أراد أن يكون فيكم أولاً ، فليكن لكم عبداً . كما أن ابن الإنسان لم يأتِ لِيُخْدَم بل لِيَخْدِم ، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين " مت 20: 25-28 .

وفى أبريل ، سنة 30م ، فى العُلية فى أورشليم ، مساء الخميس من أسبوع الآلام :

- كان يعقوب بن زبدى طرفاً فى المشاجرة التى وقعت بين الرسل فى العُلية فيمَنْ منهم يكون الأكبر مت 26: 20 ، مر 14: 17 ، لو 22: 14-18 ، 24-30 .

- وكان أحد الذين غسل يسوع أرجلهم قبل التناول من الفصح يو 13: 1-20 .

- وكان أحد الذين تساءلوا عن الخائن مت 26: 21-25 ، مر 14: 18-21 ، لو 22: 21-23 ، يو 13: 21-35 .

- وكان أحد الذين أنبأهم يسوع مُقَدَّماً بأنه سَيَشُك فيه فى تلك الليلة ، ويتركه وحيداً ليهرب مت 26: 31-35 ، مر 14: 27-31 .

- وكان أحد الذين تناولوا من العشاء الربانى مت 26: 26-29 ، مر 14: 22-25 ، لو 22: 19-20 ، 1كو 11: 23-25 .

- وكان أحد الذين عزَّاهم يسوع ، ووعدهم بانسكاب الروح القدس يو 14: 1-31 ، 15: 1-27 .

- وكان أحد الذين أنبأهم يسوع بما سيُصيبه من الإضطهاد ، ووعده بإرسال الروح القدس إجابة لصلواته يو 16: 1-23 .

- وكان أحد الذين سمعوا صلاة يسوع الشفاعية يو 17: 1-26 .

وفى أبريل ، سنة 30م ، فى بستان جثسيمانى ، على جبل الزيتون ( عَايَنَ جهاد يسوع ) :

- اصطحب يسوع يعقوب بن زبدى ، مع بطرس ويوحنا ، وذهبوا إلى بستان جثسيمانى " حينئذ جاء معهم يسوع إلى ضيعة يُقَال لها جثسيمانى ، فقال للتلاميذ : اجلسوا ههنا ، حتى أمضى وأصلى هناك . ثم أخذ معه بطرس وابنىْ زبدى ، وابتدأ يحزن ويكتئب ... " مت 26: 36-46 ، مر 14: 33 . وهناك صارحهم يسوع بأحزانه العميقة ، وكان يأتنس بهم " فقال لهم : نفسى حزينة جداً حتى الموت . امكثوا ههنا واسهروا معى " ع38 ، ولم يكن يخجل أن يبدو أمامهم ضعيفاً " ثم أخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا ، وابتدأ يدهش ويكتئب " مر 14: 34 !

وعند صليب يسوع على جبل الجلجثة :

- غاب يعقوب بن زبدى عند صليب يسوع ؟ بينما وقفت هناك أمه سالومة وأخوه يوحنا ؟!

وفى أبريل ، سنة 30م ، فى أورشليم ( قيامة يسوع ) :

- عاينَ يعقوب فى أورشليم ظهور يسوع بعد قيامته يوم الأحد التالى لموته ( ولم يكن توما معهم ) مر 16: 14-18 ، يو 20: 19-23 ، 1كو 15: 5 .

- وفى مساء الإثنين الثانى بعد القيامة عاينَ يعقوب ظهور يسوع فى أورشليم للأحد رسولاً يو 20: 24-29 .

وفى مايو سنة 30م ، فى الجليل ، على بحيرة طبرية ( ظهور الرب لسبعة من تلاميذه ، ومعجزة صيد أخرى ) :

- كان يعقوب بن زبدى من ضمن السبعة التلاميذ الذين ظهر لهم الرب بعد حوالى 10 أيام من قيامته عند بحيرة طبرية ، وعاين معجزة صيد سمك جديدة يو 21: 1-2 .

- هذا وقد مكث " يعقوب بن زبدى " مع بقية التلاميذ فى أورشليم بعد أربعين القيامة أع4-8 ، وشاهدَ صعود يسوع إلى السماء ع9-11 ، ثم ذهبوا إلى العلية التى كانوا يُقيمون فيها ، مواظبين على الصلاة لكى يتمم الرب وعده بانسكاب الروح القدس ع12-14 ، وهو ما تم بالفعل بعد صعود الرب بعشرة أيام . وتكلم يعقوب بن زبدى بألسنة ، بعظائم الله أع 2: 1-4 ، 11 .

وفى أورشليم نحو عام 44م ( استشهاد يعقوب بن زبدى ) :

- إن حياة يعقوب تنقسم إلى 3 + 14 = 17 سنة قضاها مع وفى خدمة المسيح . إن الثلاث سنوات الأولى كانت بمثابة تدريب مع الرب ، والأربعة عشر سنة الثانية كانت هى سنوات الخدمة الحقيقية ، والتى استمرت إلى يوم استشهاده سنة 44م .

- كان هيرودس أغريباس سنة 44م قد قام بإلقاء القبض على يعقوب بن زبدى ، وأمر بقطع رأسه بالسيف ، إرضاءً لليهود ، الذين بدأوا يتذمرون من انتشار أعداد شيعة الناصريين فى كل أرض فلسطين بصورة بدأت تهدد الكيان اليهودى هناك " وفى ذلك الوقت مدَّ هيرودس الملك يديه لِيُسِئ إلى أناس من الكنيسة . فقتل يعقوب أخا يوحنا بالسيف . وإذ رأى أن ذلك يُرْضى اليهود ، عاد فقبض على بطرس أيضاً ... " أع 12: 1-3 .

- لكن مقتل يعقوب بن زبدى لابد أن يُثير فى أذهاننا تساؤلين هامين :

أ‌. لماذا قام الملك هيرودس أغريباس باستهداف أحد الإثنى عشر رسولاً بالقتل ؟

إن الإجابة يمكن إيجازها فى أربعة أسباب على الأقل وهى :

1. انتشار أعداد ونشاط شيعة الناصريين ، بقيادة الإثنى عشر ، طوال عمل استمر لمدة 17 سنة بعد موت يسوع الناصرى ، داخل أرض فلسطين " وأمَّا الكنائس فى جميع اليهودية ، والجليل ، والسامرة ، فكان لها سلام ، وكانت تُبْنَى ... وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر " أع 9: 31 ، وفى لُدَّة وسارون ع32 ، و يافا ع36 ، وقيصرية أع 10 ، حتى صار لهم مركزاً قيادياً فى أورشليم . وأيضاً انتشرت أعدادهم خارج فلسطين فى فينيقية ، وقبرس ، وأنطاكية بيسيدية أع 11: 19-26 ، وصار لهم مركزاً فى أنطاكية ، الأمر الذى بدا أنه يهدد مصداقية الكيان اليهودى نفسه داخل فلسطين وخارجها ؛ لأن ما كان يكرز به الناصريون يتناقض وعلى خط مستقيم مع ما كان يَدَّعيه القادة الدينيين فى إسرائيل .

2. مجئ قِيَادِيَيْن بارزين من الناصريين هما بولس ( شاول الطرسوسى ، ذلك المرتد عن دين الآباء ! ) وبرنابا ، فى تلك السنة ، من الخارج ، يحملان المزيد من التمويل الأجنبى والمعونات الغذائية للناصريين فى أورشليم واليهودية " فَحَتَمَ التلاميذ ( فى أنطاكية بيسيدية خصوصاً ) حسبما تيسَّر لكل منهم أن يُرْسِل كل واحد شيئاً ، خدمةً ، إلى الإخوة الساكنين فى اليهودية . ففعلوا ذلك ، مُرْسِلين إلى المشايخ ( الرسل ) ، بيد برنابا وشاول " أع 11: 29-30 ، " وأمَّا كلمة الله فكانت تنمو وتزيد . ورجع برنابا وشاول من أورشليم بعد ما كَمَّلا الخدمة ( توصيل الأموال والمعونات الغذائية من الإخوة المسيحيين فى أنطاكية ) ، وأخذا معهما يوحنا الملقب مرقس " أع 11: 19-21 . مما أعطى شعوراً بتهديد تلك الشيعة الناصرية للكيان اليهودى نفسه !

3. شعور القادة الدينيين فى البلاد بأن سلطانهم الدينى بدأ فى الانهيار ، مما دعاهم لتوجيه اتهاماً خفياً للقيادة السياسية فى البلاد بِغَضّ النظر والتقصير فى مواجهة شيعة الناصريين ، فكان على الملك هيرودس أغريباس اتخاذ إجراء سريع وحاسم لإرضاء اليهود ، الذين من الممكن جداً أن يقدموا ضده شكوى لدى القيصر فى روما ، فيُزيحه من الحُكْم .

4. مبادرة السلطة الدينية فى البلاد باستعدادها لتقديم الغطاء الشرعى للملك فى قتل قيادات شيعة الناصريين ، وهو ما يتضح من عبارة " ... أن ذلك يُرْضِى اليهود " أع 12: 3 ، والتى تعنى أن اتفاقاً مُسْبَقاً كان قد تم بين السلطة السياسية والدينية فى البلاد . كما أن كلمة " اليهود " هنا لا يمكن أن تعنى إلا القادة ورؤساء الأحزاب الدينية . لذلك من المُرَجَّح أنهم عملوا على تقديم عريضة اتهام تبرر لهيرودس إلقاء القبض على قادة الكنيسة فى أورشليم . ومن المحتمل أن يكون الاتهام الذى وُجِّهَ ليعقوب بن زبدى هو الآتى : جَلْب مواد غذائية ، وتمويل أجنبى ، من جهات غير معلومة فى الخارج ، والإنضمام إلى جماعة دينية غير مُعْتَرَف بها داخل البلاد ، لتنفيذ سياسات وأجندات خارجية ، بهدف جذب المزيد من الأتباع فى الداخل لشيعة الناصريين ، مُسْتَغِلين مرور البلاد بمجاعة شديدة ، اجتاحت العالم فى ذلك الوقت !

ب‌. لماذا وقع اختيار الملك هيرودس أغريباس ليقتل " يعقوب بن زبدى " بالذات ؟ لأن التقارير الأمنية التى كانت تصل إلى هيرودس بشأن نشاط الحركة الناصرية كانت ترى أن يعقوب بن زبدى هو العنصر القيادى المؤثر والأنشط ، متفوقاً حتى على قيادى آخر يمتاز بالخطابة والوعظ يُدْعَى بطرس . وكانت قدرات يعقوب بن زبدى تنظيمية تتعلق بضمان ولاء الأتباع للحركة الناصرية ( عن طريق التلمذة ) ، وتوفير الدعم المالى والمادى اللازم .

لذلك لمَّا أراد هيرودس أغريباس ، والسلطة الدينية فى أورشليم ، أن يُوَجّها ضربة مُوجِعَة لإجهاض نشاط شيعة الناصريين ، اختارا من بين الاثنى عشر القائد صاحب القدرات التنظيمية والتدبيرية .

كما يُلاحَظ أن هيرودس ، بعد قتله ليعقوب ، لمَّا أراد أن يجنى المزيد من تأييد اليهود له ، ويوجه ضربة قاضية للناصريين ، كان أن اختار أن يقتل بطرس ، فكان بطرس تالياً فى الأهمية ليعقوب " ... عاد فقبض على بطرس أيضاً ... " ع3 !

طباعة