تِيمُوثَاوُس: "إرساليّة بعد عملاق"
دعا الله تِيمُوثَاوُس لعمل عظيم، إذ صار تِيمُوثَاوُس خليفة للرسول بُولُس في الخدمة التبشيريّة والرعويّة. وربما نطوِّب تيموثاوس لأنه دُعيّ لعمل عظيم أو لأنه تتلمذ على يد الرسول بولس العظيم في الجهاد، لكن الله، كما قالت الأم تريزا مرةً، قد لا يدعونا نحن لعمل عظيم، كما دعى تِيمُوثَاوُس، بل يدعونا لعمل صغير نعمله بطريقة عظيمة. إن الله يدعونا لأعمال صالحة (أفسس 2: 10)، لا لأعمال عظيمة!
ولقد دعا الرسول تلميذَه أن يتقوى ويتشجَّع، وأن يثبت في زمن الارتداد والشر! ودعاه أيضاً ليكون متميِّزاً: تتكرّر كثيراً عبارة "أما أنت" في الرسائل الرعويّة. يشجِّع الرسول تلميذَه تِيمُوثَاوُس حتى لا يساير تيار العالم الشرير، وحتى لا يتشكَّل بأفكار أو بروح العصر. إن الشجاعة والثبات على المبدأ أفضل من المسايرة والخنوع لروح العالم الشرير. ف "السمك الحي يسبح ضد التيار".
وتصف رسالة تِيمُوثَاوُس الثانية علاقة الصداقة الوطيدة التي ربطت بين بُولُس الشيخ وتلميذه النجيب تِيمُوثَاوُس، لكنها، بلاشك، تكشف رغبة قلب أخيرة للرسول لتقديم المزيد من الخدمة لكنيسة الْمَسِيح، وحفظ بشارة الإنجيل نقيّة من أي تشويه أو شائبة. ولعل رسالة تيموثاوس الثانية هي أعظم كتابات الرسول بولس التي تكشف عن مكنونات قلب الرسول وعن ألوان شخصيته الحقيقيّة؛ ففي نهايّة حياته، بينما كان "الشيخ بُولُس" يعاني مرارة السجن المظلم البارد، لم يكن اهتمامه الأساسي كيف يثبت براءته فيخرج من السجن، بل كان همه أن يجيب عن سؤال "من الذي سيحمل مسؤولية حفظ الإنجيل وتوصيله للجيل التالي؟"، لذا كتب الرسول يشجِّع تلميذه لكي يحمل الراية من بعده: فيحفظ وديعة الإنجيل، أي أن يحفظ الإنجيل صحيحاً وغير محرَّف، مهما كلَّف الأمر. وفي خطوة تالية أن "يُودعه أناساً أمناء يكونون أكفاء أن يعلِّموا آخرين أيضاً" (2:2).
من هذه المقدِّمة السريعة نستطيع أن نرى ظروف تِيمُوثَاوُس التي كانت من الممكن أن تشجِّعه:
- ايجابيات:
- كان تيموثاوس الرفيقَ الأمين للرسول بُولُس.
- تجدَّد تيموثاوس صغيراً في مدينة لسترة وخَدَمَ مع الرسول لمدة طويلة (حوالى 15 سنة)، وما أحلى أن يتجدَّد المؤمن صغير السن فيقضي جُلَّ حياته في طاعة السيد.
- أرسله الرسول في عديد من المهام الخاصة، ونجح فيها، مما يكشف عن شخصيّة تمتْ صياغتها، بنعمة الله، بعد أن عركَ الحياة وصهرته الظروف والتجارب (1 تسالونيكي 3: 1 مع 1 كورنثوس 4: 17).
- رافق الرسول في سفرته إلى أورشليم (أعمال 20: 1 – 5).
- صاحب الرسول في سجنه الأول ويرد اسمه في رسائل السجن (فليمون 1، فيلبي 1:1 مع 2: 19 -24، كولوسي 1:1).
- خدم تِيمُوثَاوُس في كنيسة أفسس: تحمَّل المسؤوليات – واجَه الهرطقات – أقام شيوخاً – نشر التعليم الصحيح – كان قدوة في القول والعمل.
صار خليفة بُولُس في حمل مسؤوليّة التعليم الرسولي برمته.
ظروف تِيمُوثَاوُس التي كان من الممكن أن تعطِّل دعوته أو تمنعها
- سلبيات:
- صِغر السن: "لا يستهن أحد بحداثتك" (1 تِيمُوثَاوُس 4: 12). و "أما الشهوات الشبابيّة فاهرب منها" (2 تِيمُوثَاوُس 2: 22).
- اعتلال الصحة: "أسقامك الكثيرة" "خمراً قليلا مخلوطاً بالمياة" (1 تِيمُوثَاوُس 5: 23). كان عصير العنب المُقطَّر يعمل كوسيلة لتعقيم المياة (أو هكذا ظنَّ القدماء) في زمن كتابة العهد الجديد.
- الشخصيّة الخجولة: "بلا خوف .. لا يحتقره أحد" (1 كورنثوس 16: 10 -11) "الله لم يُعْطِنا روح الخوف" (2 تِيمُوثَاوُس 1: 7، 8 مع 2: 1، 3 وأيضاً 3: 12 و 4: 5). كانت كلمات الرسول بمثابة توجيهات حقيقيّة لخادم يعاني من الضعفات.
- جسامة المسؤوليّة: احفظ الوديعة (1 تِيمُوثَاوُس 6: 20)! بالرغم من الاضطهاد النيروني وتفشّي الهرطقات من داخل الكنيسة، وظهور الارتداد (2 تِيمُوثَاوُس 1: 15).
تطبيقات
- كيف يمكن أن يدعو الله الضعفاء؟ إن الله يؤهِّل المدعوين، لكنه لا يدعو المؤهلين.
- الله يتمجّد في ضعف الإناء، ليصير فضل القوة لله لا منّا.
- هل أنت شاعر بضعفك؟ هل أنت ضعيف فعلاً؟ إذاً، أنت تشبه تِيمُوثَاوُس، والله لديه دعوة لك لتخدمَه ولتشهد عنه.