أمثال المسيح برؤية وعيون مصرية

مقالات الزيارات: 2028

وجدتُ في كتاب «ماذا يُريدُ مِنَّا الله» لمارجوري داي، تعريب سمير فؤاد، صادرٌ عن دارِ الثّقافة عام 1968م، ويقعُ في 63 صفحةٍ من القَطْعِ الْمُتوسّط، وهو يتناول ثمانيةَ أَمثال من أَمْثَالِ المسيح، ولكنّي فُوجئتُ قَبْل أَنْ يَشْرَحَ الْمَثَل فَإِنَّهُ يُعطي صِياغةً مِصريّة لهُ، ولأَهمِّيَّة هذا العمل وهذهِ الصِّياغة أَقومُ بنشرها. فهذا الأُسلوب من الكِتَابَةِ الَّتي يتبنّاهُ الْمُؤَلِّفُ يتميّز بالبساطةِ مع

العُمقِ، وهو من ضمن حركةٍ في الكِتابَةِ تميّزتْ في بدايةِ السِّتّينات بالبَسَاطَةِ مع العُمقِ، هذهِ الحركة الَّتي أَسّسها طيبُ الذِّكر الدّكتور القسّ صموئيل حبيب مع كثيرين في جيلهِ، وقد أَنْتَجَتْ هذهِ الحركة مجموعةً كبيرةً من الكِتَابَاتِ والدِّراسات مازال صداها حتّى الآن داخل الكنيسة في مِصر.
الجديرُ بالذِّكر أَنَّ مارجوري داي لهُ كِتَابٌ آخر عِنوانهُ: «سُلُوكِي فِي الْكَنِيسَةِ» ترجمة القسّ حارث قريصة، صَادِرٌ عن دار الثّقافة. ويقع الكتاب في 40 صفحةً من الْقَطْعِ الصَّغير.
ما لَفَتَ انتباهي أنَّ الكاتب أَجنبيٌّ، لكنّهُ استطاع أَنْ يُجسّد الأَمثال في الثَّقافة الْمِصريّة الَّتي إِذا قرأَها أَو سَمِعَهَا الإِنسانُ الْمِصريّ يفهمها بسهولةٍ دُون الإِخلال بالمعنى. جَاري البحث عن شخصيّة الكاتب ورصد وتحليل كِتَاباتهِ. أَرجو أَنْ يُساعدني من لديهِ أَي مَعلومةٍ عَنِ الْمُؤَلّف.
ما بين القوسين (   ) هو من إِضافتي على مَتْنِ النّصّ الأَصليّ للكاتب مارجوراي داي، الَّذي حافظتُ عليهِ كما هو حِرْصًا على الأَمانةِ العلميّة.
 (قِرَاءةٌ مِصْريّة لِمَثَلِ السَّامِرِيّ الصَّالح)
 (لوقا10: 25- 36)
كَانَ رَجُلٌ مَاشِيًا على الطَّريق بَيْنَ الْبَياضيّة وملوي، فَخرج عليهِ اللّصوص من زِرَاعة القصب، وضربوهُ على رَأْسهِ، وسرقوا مالهُ، وتركوهُ مطروحًا على الأَرضِ بين حيٍّ ومَيتٍ. مرَّ بِهِ أَحدُ الكهنة المسيحيّين في تاكسي. ولَمَّا رَأَى السَّائِقُ الرَّجلَ الجريح على الطَّريق، أَراد أَنْ يَقِفَ، ولكنَّ الكاهن قال لهُ: لا تقفْ إِنّي مُستعجلٌ.
وبعد فترةٍ مَرَّ بِهِ مُرْسَلٌ (خَادِمٌ) يسوق سيارتهُ الخاصّة. رَأَى الرَّجُلَ مُلْقَى على الطَّريق، ولكنّهُ فَكَّرَ فِي نَفْسِهِ «رُبَّما تكون خِدْعَةً، وساق عربتهُ بأَسرعِ ما يُمكن. حينئذٍ مَرَّ عليهِ عدوٌّ، رَاكبًا حِمَارًا ومعهُ حِمْلٌ مِنَ البضائع، ولكن عندما رَأَى عدوّهُ مُلْقَى على الطّريق، نَزَلَ مِنْ على دَابّتهِ وفحصهُ. ثُمَّ أَخرج زُجاجةَ مَاءٍ، وَصَبَّ ماءً على وجههِ وأَعطى لهُ بعضًا منهُ ليشربَ. ثُمَّ مَزَّق قِطْعَةَ قُمَاشٍ مِنْ قميصهِ ورَبَطَ بها رأْسَ الجريح، لأَنَّ جُرحهُ كان ينزف بشدّةٍ، وعندما أَصبح الرَّجُلُ قادرًا على الوقوفِ سَاعدهُ الْمُسافرُ وأَركبهُ على دَابّتهِ، واتّجه بِهِ إِلى ملوي. كان الرّجُلُ ضعيفًا بسبب ما فقدهُ من الدّم، وكاد يُصاب بالإِغماء بين الحين والآخر. وكان الْمُسافرُ سائرًا بجوارهِ يسندهُ لِئلّا يسقط.
وفي ملوي أَخذ الْمُسافرُ الرَّجُلَ الجريح إِلى الْمُستشفى الحكوميّ، وأَنْتَظَرَ هناك حتّى فَحَصَهُ الأَطبّاءُ ووضعوهُ في سريرٍ. وعند مُغادرة المستشفى أَعْطَى للقائمين على خدمتهِ قدرًا من المال قائلًا: اعْتَنُوا بِهِ وإِنْ أَحْتَاجَ لشراءِ أَي شيءٍ أَدْفَعُوا لهُ، وسأُوفيكم بِكُلِّ حسابكم عند رجوعي.
(مارجوري داي، ماذا يُريد اللهُ مِنَّا؟، ص 19.)
 (قِرَاءَةٌ مِصْرِيّة لِمَثَلِ الْأَبِ الْمُحبّ)
(لوقا15: 11- 31)
كان رجلٌ من صَعِيدِ مِصر لهُ ابْنَانِ، وفي يومٍ ما قال الابنُ الأَصغر لأَبيهِ: «يا أَبِي، أَعْطِني نصيبي من المال الآن وأَنا حديثُ السِّنِّ». فَقَسَّم الأَبُ الأَرضَ بين ابنيهِ. فباع الولدُ الأَصغر أَرضهُ دون أَنْ يَعْرِفَ أَحدٌ، وَذَهَبَ إِلى القاهرة.
وفي القاهرة تقابل الابنُ الأَصغر مع بعضِ الشَّباب الَّذين أَغروهُ بالسَّفَرِ معهم إِلى أُستراليا، ولَمَّا وصلوا هناك اخْتَارُوا أَفخمَ فُنْدُقٍ، واشْتَرُوا أَفْخَرَ طَعَامٍ، وكان الابنُ الأَصغر يدفع التّكاليف دائمًا. كانوا يقضون اللّيالي مُتنقّلين من خَمَّارةٍ إِلى أُخرى، بينما كانوا يَنَامُون طول النّهار بلا عملٍ. وهناك أَلْتَفَّ حولهُ جَمْعٌ كبيرٌ من الأَصدقاءِ، مِنَ الشَّباب الَّذين كانوا ينامون في حُجرتهِ ويأْكُلونَ طعامهُ ويشربون خَمرهُ.
أَسْتَمرّ على هذا الحال ستّة أَشهر، قضاها الابنُ الأَصغر في فُرصٍ طيّبةٍ مع الشُّبّان، لدرجةِ أَنّهُ لم يُلَاحِظْ كيف كان مالهُ ينتهي سريعًا. ويومًا ما تَلقّى إِخطارًا من البنكِ يُفيدهُ بأَنَّ حسابهُ انتهى، وفجأَةً اخْتَفَى كُلُّ أَصدقائهِ. وكان في أُستراليا في ذلك الحين ضِيقٌ ماليّ شديدٌ، وكان كُلُّ واحدٍ يُحافظُ على مالهِ بِكُلِّ دِقّةٍ، ولم يجد الابنُ الأَصغر مَنْ يُساعدهُ. بَدَأَ في بيعِ مُمتلكاتهِ لكي يَأْكُلَ، بَاعَ أَوّلًا الرّاديو، ثُمَّ آلة التّصوير، ثُمَّ باع أَحْسَنَ حُلّةٍ يمتلكها، ثُمَّ بعد ذلك خَرَجَ من حُجرتهِ ولم يجد مكانًا ينامُ فيهِ.
أَخيرًا، ذَهَبَ إِلى فُنْدُقٍ للشّباب حيث أَعطوهُ سريرًا، ثُمَّ الْتَقَى برَجُلٍ أَرسلهُ إِلى أَحد الْمُزَارِعين للبحث عن عملٍ، ولكنَّ الْمُزارع لم يستطِعْ أَنْ يُعطيهُ أَجرًا، بل أَتَّفق معهُ على أَنْ يَرْعَى لهُ الخنازير نظير السَّماح لهُ بالنّوم في المزرعة. فَذَهَبَ ورَعَى الخنازير. بدأَ الولد يَضْعُفُ تدريجيًّا لأَنّهُ لم يجد شيئًا ليأْكلهُ. بينما كانت الخنازير تَأْكُلُ أَفضل منهُ.
وهُنا بدأَ يُفكّرُ في غَبَاوتهِ، وَقَالَ في نَفسْهِ: «كَمْ مِنْ أَجِيرٍ في بَيْتِ أَبِي، يَأْكُلُ ويَفِيضُ مِنْهُ الْخُبز، وأَنا أَكادُ أَهْلَكُ جُوعًا. أَقُوم وأَذْهَبُ إِلى أَبي لأَعْمَلَ معهُ كأَجيرٍ. وأَطْلُبُ منهُ أَنْ لَا يُعاملني كابنٍ، ولكن أَنْ يَسْمَحَ لِي بالعملِ في حقلهِ. وفيما هو كذلك إِذَا بسفينةٍ مُبْحِرَة إِلى القاهرة. فَنَزَلَ ووجد لنفسهِ عَمَلًا فيها، كان يقوم بإِشعالِ الفحم. وعندما وصلت السّفينة إِلى مِيناءِ الإِسكندريّة، نَزَلَ الولدُ وأَقْتَرضَ من أَحدِ أَقربائهِ ثَمَنَ تذكرةٍ في قِطَار الدّرجة الثّالثة. وفي الصّباح التّالي وقف القطارُ على محطّة المركز، وهناك وَصَلَ وتوجّهَ إِلى قريتهِ.
وعندما ظَهَرَتْ ملامحُ القرية، رَأَى رَجُلًا عجوزًا واقفًا على الكُوبري عند مدخل القرية. وكان هذا الرّجل هُو أَبوهُ، فوقف الابنُ خائفًا من مُقابلتهِ، ولكن أَباهُ العجوز جَرَى نحوهُ، والدُّموع على وجههِ. فَبَكَى الابنُ وَوَقَعَ الأَبُ عَلَى عُنقهِ وَقَبَّلَ وجنتيهُ. حتَّى أَنَّ قَذَارةَ مَلَابسِ الابنِ التَّصَقَتْ بِمَلَابِسِ الأَبِ النَّظيفة.
وقال لأَبيهِ: «يَا أَبي لَقَدْ كُنْتُ غَبيًّا. أَخْطَأَتُ إِليكَ وإِلى السَّماء ولست مُسْتَحقًّا أَنْ أَكُونَ ابْنَكَ» فَلَمْ يدعهُ الأَبُ يُكْمِل حديثهُ، وكان يَبْكِي ويضحكُ في آنٍ واحدٍ، وأَمَرَ خَدَمَهُ أَنْ يُخْرِجُوا أَحْسَنَ مَلابسهِ، وأَنْ يُعطوهُ حِذَاءً. ثُمَّ أَقْتَادَ ابنهُ إِلى المنزل، وصاح «قَدّمُوا الْعِجْلَ الَّذي كُنّا نُسمّنهُ واذبحوهُ. لقد عاد ابني، ظَنَّنَا أَنّهُ مَاتَ، لكنّهُ حِيٌّ، كان ضَالًّا فَوُجِدَ.»
وفي أَثناء هذا الاحتفال الكبير رَجَعَ الابنُ الأَكبر من الحقل. وقَبْل أَنْ يدخل البيت سَمِعَ صوتَ الْفَرحِ والطَّرَبِ، فَأَرْسَلَ أَحدَ الْخُدّام للسُّؤَال عَمَّا حَدَثَ فأَخبروهُ قائلين: «لقد رَجَعَ أَخوكَ إِلى المنزل وها والدكَ يحتفِلُ بمجيئهِ.» فَغَضَبَ وَعَزَمَ أَلّا يدخل البيت.
فَخَرَجَ إِليهِ أَبوهُ واستدعاهُ قائلًا: «تَعَال، أَلَمْ تَسْمَعْ عن الأَخبارِ السَّارّة؟ فأَجابهُ الابنُ الأَكبر: وما هي الأَخبار السّارّة؟ لقد خدمتكَ سنينًا عديدةً، وماذا عَمَلْتَ لأَجلي؟ إِنّكَ لم تُعْطِني ولو جديًّا صغيرًا لأَفْرَحَ مع أَصدقائي، وها ابْنُكَ قد أَتى اليوم بعدما أَنْفَقَ كُلّ مَالهُ مع الزَّوانِي وأَصدقاءِ السُّوءِ، فَعَملتَ لَهُ حفلةً كبيرةً.
فتَنَهّد الأَبُ وَقَالَ: «يَا ابني إِنَّكَ الرَّجل الَّذي أَعْتَمِدُ عليهِ، كُلُّ مَالِي هُوَ لَكَ. والآن لِمَاذا لَا تَفْرَحُ، لقد رَجَعَ أَخوكَ سَالِمًا إِلى المنزل. رجع وكأَنّهُ كان ميتًا، إِنّهُ يومٌ سعيدٌ يجب أَنْ نحتفلَ بِهِ.»
(مارجوري داي، ماذا يُرِيدُ اللهُ مِنَّا؟، ص 39- 41.)
(قِرَاءةٌ مِصْرِيّة لِمَثَل الْعَامِلين في ساعاتٍ مُخْتَلِفَةٍ)
(مَتَّى20: 1- 16)
مَرّة أَرْسَلَ الشَّيخ أُنْسِي بعضَ الأَولادِ إِلى حقلهِ لِكَيْ يجمعوا دُودةَ القُطنِ. أَتَّفق معهم على أَنْ يدفعَ لِكُلٍّ منهم عشرةَ قُروشٍ في اليوم. وفي الضُّحى رَأَى بعضَ الأَولاد واقفين في الشّارع فقال لهم: «اِذْهَبُوا واِعْمَلُوا مع الآخرين، وسأَدفعُ لكم ما تستحقّون»، فذهبوا قُرْب الظُّهْرِ، ثُمَّ حوالي السَّاعة الثّالثة بعد الظُّهْرِ، أَرْسَل مجموعاتٍ أُخرى من الأَولاد للعمل في الحقل. وحوالي السّاعة الخامسة بَعْدَ الظُّهْرِ خَرَجَ إِلَى الشّارع، فَرَأَى بَعْضَ الأَولاد واقفين بجوارِ منزل العُمدة، فَسأَلهم: «لماذا تقفون أَنْتُمْ هنا بلا عملٍ طول اليوم.» فأَجابوهُ: «لم يَسْتأْجرنَا أَحدٌ.» فقال الشَّيخ أُنسي: «اِذْهَبُوا أَنْتُمْ إِلى حقلي وساعدوا في تنقيّة الدّودة من القُطن»، فذهبوا.
ولَمَّا جاءَ المساءُ قال الشّيخُ أُنسي لابنهِ: «اِذْهَبْ وَأَحضِر الأَولاد ليأْخذوا أُجرتهم». فَأَتى الَّذين ذهبوا إِلى الحقل في السَّاعَةِ الخامسة، وأَعطى الشّيخ أُنْسِي لِكُلِّ واحدٍ منهم عشرةَ قُروشٍ، وكذلك الّذين استأْجرهم السّاعة الثّالثة بعد الظُّهْرِ، والّذين بَدَأوا في الظُّهر وأَيضًا في الضُّحى، كُلُّ واحدٍ منهم أَخَذَ عَشرةَ قُروشٍ. ولَمَّا أَتى الدّور على الَّذين عَمِلُوا من بدايةِ اليوم، فَكّروا أَنّهم سيحصلون على أَجرٍ كبيرٍ. وعندما أَخذوا أَجْرَهُمْ خَرَجُوا ساخطين على الشّيخ أُنسي وقائلين: «لقد أَعطيتَ هَؤُلَاءِ الَّذين عملوا ساعةً واحدةً أَو بعضَ ساعةٍ في أَخر النّهار قَدْرَ ما أَعطيتنا نحن الَّذين عملنا طيلة اليوم. هل هذا من العدل؟»
حينئذٍ دعا الشّيخُ أُنسي واحدًا منهم وقال لهُ: «مَا دُمْتَ قد وافقتَ على العملِ طوال اليوم بِعَشرة قُروشٍ، خُذْ أَجركَ واذْهَبْ لمنزلكَ. لقد أَعطيتُ أَنَا للأَولاد الَّذين جاءوا مُتَأَخّرين نفسَ الأَجرِ الَّذي أَعطيتهُ لَكَ. ماذا يخصُّكَ في هذا؟ إِنَّهُ من حَقّي أَنْ أَعْمَلَ ما يُسرّنِي بمالي؟ أَو إِذَا كنتُ أَنَا كريمًا هل تكون أَنْتَ حقودًا؟».
(مارجوري داي، مَاذَا يُرِيدُ اللهُ مِنَّا؟، ص 11، 12.)

طباعة