مصر عند بداية الخدمة الإنجيلية

تاريخنا الزيارات: 637

     تولى حكم مصر فى السنة الأولى لبدء العمل الإنجيلى سعيد (باشا) بن محمد على وكان عمره 32 عاماً، وقد تلقى العلم على يد معلم فرنسى اسمه " كوينج"، وأتم تعليمه فى فرنسا.

عمل سعيد ثم اسماعيل من بعده على احياء سياسة محمد على فى العمل نحو إنهاء تبعية مصر للباب العالى والتمهيد لاستقلالها عن الامبراطورية العثمانية ببعث روح القومية المصرية بالتعاون مع ظهير أوربى. [1]

       ومن هنا نشأ التقارب المصرى الفرنسى، بالرغم من أن سعيد صرح عند توليه العرش، بأنه لن ينحاز إلى فرنسا أو انجلترا، وهذا ثابت فى الوثائق البريطانية ( مراسلات السير فريدريك بروس قنصل انجلترا فى مصر إلى كلاردندن  المؤرخة 17/7 و 13/ 8/ 1854).

     وكان أول تعبير عن التقارب المصرى الفرنسى فى عهد سعيد هو منحه امتياز حفر قناة السويس لفرديناند ديلسبس، وقد وقع سعيد امتياز المشروع فى 30 نوفمبر 1854 وبدأ العمل فى حفر القناة فى 25 أبريل 1859 واستمر العمل حتى 17 نوفمبر 1869.

   وفى حفر القناة برز نظام " السخرة" حيث تعهد سعيد بأن تقدم مصر لشركة القناة 20 ألف عامل بصفة مستمرة، كانوا يتغيرون كل ثلاثة شهور، وكان معنى هذا أن حوالى 100 ألف عامل مصرى كانوا يعملون كل سنه فى حفر قناة السويس وتسبب ذلك فى فقدان قوة عاملة فى أثناء حفر القناة قوامها 60 ألف عامل زراعى. [2]

     كما تنازل سعيد لشركة القناة عن حوالى 150 ألف فدان محيطة بالقناة وترعة الاسماعيلية.

     وفى مذكرات أحمد عرابى " كشف الستار عن سر الأسرار فى النهضة المصرية المشهورة بالثورة العرابية" (ص16) نجده يعتبر سعيد أول واضع لأساس القومية المصرية.

     " ومع سعيد .. توسع الرأسماليون الأجانب فى تصدير الأموال للسوق المصرية على شكل قروض لتنفيذ المشروعات، واقتضى الأمر انشاء أول بنك وهو ( بنك مصر القديم) سنة 1855 وكان المركز الرئيسى لهذا البنك فى لندن ورأسماله ربع مليون جنية استرلينى وأول مدير له كان فى الأصل تاجراً يونانياً من أزمير اسمه " بسكالى" وقد أفلس هذا البنك سنة 1911[3].

     وقد وفد الأجانب إلى مصر بأعداد كبيرة سنة 1854 وفى الفترة من 1857- 1861 وفد حوالى 30 ألفاً من الأجانب، استقر أغلبهم فى الاسكندرية وكان بعضهم من الشوام- وأصبحت هناك سلطات متعددة لعدد كبير من قناصل الدول الأجنبية والذين قدروا بسبعة عشر قنصلاً. [4]

     وسمح سعيد للأجانب بشراء ما يريدونه من الأراضى بشرط الخضوع لقوانين البلاد الخاصة بالملكية العقارية و بالاحتكام إلى محاكم الشريعة الإسلامية بشأنها.

     صديق الفلاح:

     اكتسب سعيد هذا اللقب بسبب القوانين الخاصة بالملكية الزراعية التى أصدرها لا سيما القانون الصادر فى 27 يناير 1855 والذى نص على أن نقل حق الانتفاع الزراعى أو توريثه لا يتم إلا بمقتضى " حجة" من المديريه وليس بمجرد شهادة يعطيها شيخ البلد، وبذلك أدخل سعيد عمليات تداول الحقوق على الأراضى فى سجلات الدولة وحصنها بقوة القانون، بعد أن كانت عمليات شبه عرفيه تجرى داخل القرية.

     وفى 5 أغسطس 1858 أصدر سعيد " قانون الأراضى" وبمقتضاه استقر مبدأ الملكية الفردية للآراضى الزراعية وأتيح للإناث أن يشاركن فى ميراث الأرض.

     وقد جعل سعيد جباية الضرائب نقداً، لا عينا إلا إذا تعذر السداد النقدى، وتنازل عن متأخرات الضرائب، وتجاوز عن ضريبة الأراضى التى لا يصلها ماء النيل.

كما أنه حرم على مشايخ القرى ارغام الفلاحين على العمل بدون أجر، وفى سنة 1861 أمر باعدام أحد مشايخ القرى بسبب ممارسته الظلم والطغيان على الفلاحين. [5]

     والذين أرخوا لتاريخ الملكية الزراعية فى مصر ذكروا أسماء بعض الأقباط الذين امتلكوا منذ أيام محمد على ملكيات كبيرة ومنهم باسليوس ابن المعلم غالى الذى كان يمتلك عدداً من القرى فى سنة 1848 وكان زمام إحدى هذه القرى 2000 فدان – وفى سنة 1870 ذكر اسم بطرس أغا الذى كان يمتلك 2000 فدان قرب جرجا ( وفى مصدر آخر 5000 فدان)، كما ذكر على مبارك فى خططه اسم تاجر قبطى صعيدى يدعى اسطفانوس كان يمتلك أكثر من 2000 فدان فى كفر اللاوندى قرب أجا وأماكن أخرى، ومحلج قطن ومعصرة قصب ومضخات رى على ترعة المنصوريه. [6]

     هذا وقد توسع سعيد فى زراعة القطن وجعل الفلاح غير مرغم على زراعة حاصلات معينة.

     وواصل سعيد العمل فى تشييد القناطر الخيرية التى تمت فى عهده أيضاً سنة 1861، كما تم فى عهده مد بعض خطوط السكك الحديدية لا سيما خط القاهرة / السويس، وعمل على تسهيل الملاحة فى النيل والترع لا سيما الترعة المحمودية، وألغى الجمارك الداخلية التى كانت سبباً فى اعاقة الحركة التجارية.

     وامتدت برامج سعيد الاصلاحية الى السودان وذلك فى أعقاب رحلته إلى هناك التى تمت فى فبرابر 1858.

     ومن العيوب الهامة التى أخذت على سعيد: إهماله للتعليم، فأغلق كثيراً من المدارس وألغى ديوان المدارس الذى أنشئ فى فبراير 1837، ومع هذا فقد اعتنى سعيد بالتعليم الاجنبى.

التعليم:

     افتتحت أول مدرسة ثانوية بمصر سنة 1825، وقام بالتدريس فيها مدرسون من الفرنسيين والإيطاليين وغيرهم إلى جانب بعض الأزهريين لتدريس الدين واللغة العربية.

وكانت مدة الدراسة بهذه  المدارس 4 سنوات. وكان الذين يتخرجون من المدارس الثانوية يلتحقون بالمدارس العالية وهى المدارس التى أسسها محمد على بهدف اعداد الموظفين الذين تحتاجهم الدواوين سريعاً، ومن هذه المدارس:

     مدرسة الهندسة بالقلعة ( افتتحت سنة 1816) – مدرسة الطب بأبو زعبل ( افتتحت سنة 1827) وأشرف على إنشائها الطبيب الفرنسى أنطون برفوملى كلوت المعروف باسم ( كلوت بك) وهذه المدرسة نقلت فيما بعد إلى قصر العينى.  ثم مدرسة الطب البيطرى التى افتتحت فى رشيد 1829 ونقلت إلى القاهرة سنة 1831، ومدرسة الصيدلة ( حكمة خانة) بالقلعة، ومدرسة الزراعة سنة 1830، ومدرسة الكيمياء التطبيقية بمصر القديمة سنة 1831، ومدرسة الألسن سنة 1835، ومدرسة المحاسبة بالسيدة زينب سنة 1837.

أما المدارس الابتدائية الحكومية فقد أفتتحت أول مدرسة منها سنة 1833 وكان يطلق عليها اسم " مدارس المبتديان" وكان سن الالتحاق بها بين 7 و 12 سنة ومدة االدراسة ثلاثة سنوات.

     وفى وقت بداية الخدمة الإنجيلية كان هناك اهتمام بالتعليم من جانب الكنيسة القبطية حيث أسس البابا كيرلس الرابع مدرسة الأقباط الكبرى سنة 1853 بجوار الكنيسة المرقسية بالأزبكية وإلى جوارها أيضاً أسس مدرسة للبنات- وقد عين البطريرك فيها مهرة المدرسين من المصريين والأجانب، وكان التعليم فيها بالمجان. كما أسس مدرسة للبنات بحارة السقايين ومدرسة بالمنصورة ومدرسة بعزبة دير الأنبا أنطونيوس ببوش. ولم تكن فى  مصر مدارس حكومية للبنات فى ذلك الوقت، حيث تأسست أول مدرسة ابتدائية للبنات سنة 1873، وكانت طالباتها تدرسن التعليم المهنى إلى جانب منهاج المرحلة الابتدائية، وقد كان الاقبال عليها محدوداً.

الصحافة:

       كانت فى مصر صحيفة عربية واحدة هى " وقايع مصرية " بدأ صدورها منذ سنة 1828. ولم تكن هناك أى وسيلة اعلامية أخرى[7] 

السكان:

     كان تعداد سكان مصر ( عام 1847/ 1848م) 4.542.620 نسمة منهم 253541 بالقاهرة و 143134 بالاسكندرية [8].

     وفى دراسة حديثة لتصحيح تقديرات السكان فى المدة 1780- 1882 قدر عدد سكان مصر عام 1848 بحوالى 5.055.508 نسمة منهم 500160  نسمة يسكنون الحضر و 600 ألف من الأجانب. [9]

 

[1]  الدكتور لويس عوض، تاريخ الفكر المصرى الحديث من عصر اسماعيل إلى ثورة 1919، المبحث الأول: الخلفية التاريخية، القاهرة، 1980، ص39 و 379.

[2] المرجع السابق، ص 50

[3]  المرجع السابق، ص 356و 366.

[4]  دكتورة لطيفه السيد سالم، القوى الاجتماعية فى الثورة العرابية، القاهرة، 1981

[5]  المرجع السابق، ص 18

[6]  دكتور لويس عوض، المرجع السابق، ص 329

[7]  دكتور خليل صابات، وسائل الاتصال: نشأتها وتطورها، الطبعة الثانية، القاهرة، 1979.

[8]   El der, E., Vindicating a vision, Philadelphia,1958,p.18-21

والرقم الذى تضمنه هذا الكتاب ورد فى كتب lane   (1860) Brnhes, (1902) والكتاب السنوى (1924)

[9]   دراسات سكانية – يوليو / سبتمبر 1980

طباعة