عندما يبكي الملك

القراءات الكتابية من سفر زكريا 9: 9- 12 إنجيل متى 21: 1- 17

اهتم البشيرون الأربعة بتسجيل حادثة دخول المسيح الإنتصاري إلى أورشليم ، ولقد رصد الحدث كل واحد منهم من زاوية معينة.

 نعم ! أن ما حدث كان إتماماً لنبوة قديمة نطق بها النبي زكريا 9: 9 والتي تقول " اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ" . وهذه الحادثة التاريخية

ثرية بالدروس الروحية أذكر منها الآتي :

أولاً : يسوع المسيح هو ملك الملوك في مملكة لا تغرب الشمس عنها :-

إن حادث دخول المسيح الانتصاري إلى أورشليم ، نرى فيه بوضوح أن يسوع كان يربط الحدث بتلك النبوة القديمة التي وردت في زكريا 9: 9 مثبتاً للشعب أنه هو المسيا المنتظر، وكان إعلاناً لملكه ، والدارس لهذه الحادثة التاريخية يرى أن يسوع وكأنه هو الذي رتب لهذه الاحتفالية ، فلقد أيقن أن ساعته على الأبواب .

فبعدما عاش سنوات صمت ثلاثين عاماً ، بعدها بدأ الخدمة ، ثم جاء الأسبوع الأخير ، بدأ خطته بإقامة لعازر من الأموات ثم بدأ يتحرك في موكبه إلى أورشليم ، وما أن وصلت الأنباء إلى الجموع بأن يسوع الذي أقام ميت بيت عنيا في طريقه مع تلاميذه إلى أورشليم وقد زحفت قرية بيت عنيا تحيط بيسوع في مظاهرة كبرى ، وما أن اقتربت من أورشليم ،حتى التقت بها مظاهرة أخرى أكبر وأعظم قادمة من أورشليم ، والتقت المظاهرتان في مظاهرة واحدة تهتف " أوصنا ... "مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ. وأوصنا كلمة عبرية ترجمتها " خلصنا الآن " وهو هتاف ملكي يرادف في وقتنا الحاضر " يحيا الملك ... عاش الملك " وكلمات الهتاف مقتبسة من مزمور118: 25، 26  آهِ يَا رَبُّ خَلِّصْ!مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ ".  

أحداث مثيرة تمت في الأسبوع الأخير ، كلها حلقات في سلسلة واحدة ترتبط بسجل القيامة ، تبدأ بأسبوع الفصح ، مروراً بالمحاكمة والصليب ، إلى أن تنتهي بالقيامة المجيدة ، في ذلك الأسبوع جاء الناس من كل مكان إلى أورشليم ، المدينة التي كانت عبر سنوات طوال مركزاً للقدس ومركزاً للعبادة ، وقد حملت لفترات طويلة من التاريخ ذكريات مقدسة رائعة .

كيف لا ! إن دخول يسوع إلى أورشليم في ذلك الوقت كان إعلاناً لملكه .

لقد دخل يسوع إلى أورشليم بهذا المشهد المثير ، في الوقت الذي كانت المكافأة مرصودة لمَنْ يرشد عنه أو يدل السلطات عليه ، وكانت المكائد والمؤامرات تدبر ضده ، وأعداءه في طريقهم لتصفية حساباتهم معه ، ومع ذلك لم يحسب حساباً لشيء ، وقصد يسوع أن يدخل إلى أورشليم راكباً على حمار،  ففي ذلك الوقت كان الملك يركب الجواد حينما يخرج على رأس جيشه للقاء أعدائه . أما إذ أتى إلى مدينة في سلام فهو يركب حمار، لذلك عندما دخل يسوع إلى أورشليم دخلها في روح السلام. فهو لم يأت في صورة القائد الفاتح أو المنتقم ولكنه أتى إلى مدينة داود كرئيس السلام وملك المحبة  ... لقد كان في عمله هذا قمة الشجاعة والمحبة ، فلقد أتي فاتحاً أحضان محبته للجميع ، معطياً إياهم فرصة أخرى ليعيدوا حساباتهم دون عناد ليملك عليهم ، ولا شك فالرب يسوع هو رئيس السلام الذي تنبأ عنه إشعياء " لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ ".(أش9: 6).  وعند ولادته تغنت الملائكة «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ».(لو2: 14) وعند صعوده ترك لتلاميذه ومؤمنيه على مر الأجيال سلامه إذ قال «سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ " ( يو14: 27 ) .

كان في إمكان المسيح أن يقيم لنفسه مُلكاً في أورشليم القدس ، أو في روما ، ولكنه لم يأت ليكون عرشه على الأرض بل ليملك على القلوب ، فكم من مرة أرادته الجموع ملكاً لكنه كان يرفض ، فعلى سبيل المثال يوم أشبع الخمسة آلاف بالخمسة أرغفة والسمكتين نقرأ أن "يَسُوعُ فَإِذْ عَلِمَ أَنَّهُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ يَأْتُوا وَيَخْتَطِفُوهُ لِيَجْعَلُوهُ مَلِكًا، انْصَرَفَ أَيْضًا إِلَى الْجَبَلِ وَحْدَهُ ". (يو6: 15).

أن يسوع ملك من نوع أخر هكذا قال ليبلاطس في( يو18: 33- 37)«مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ " وَلَمَّا سَأَلَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ:«مَتَى يَأْتِي مَلَكُوتُ اللهِ؟» أَجَابَهُمْ وَقَالَ:«لاَ يَأْتِي مَلَكُوتُ اللهِ بِمُرَاقَبَةٍ، وَلاَ يَقُولُونَ: هُوَذَا ههُنَا، أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ! لأَنْ هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ».(لو17: 20، 21).

هذه هي مملكة الله على هذه الأرض ، المملكة التي لا تغيب عنها الشمس ( شمس البر) .

ألم يقل المسيح : ها ملكوت الله داخلكم .. إذ أنتم يا شعب الرب مملكة الله المتجسدة في هذا العالم  التي يجب أن تدعو إلى البر والحق والعدالة والسلام.

ولا يمكن أن يحدث هذا إلا إذ توجناه ملكاً على حياتنا، فعندما يملك على القلب تتحول الأنانية إلى تضحية، وينفتح قلبك لحب الجميع، ويلهج لسانك بالثناء والتقدير لا للنقد والتشهير، وتقبل أن تحمل الصليب وتسير خلف الحبيب ولو إلى الجلجثة .

ثانياً : دموع يسوع تكشف لنا جانباً من قلب الله وعواطفه :-

سجلت ريشة الوحي أن المسيح بكى ، ذكر لنا منها مرتين تصريحاً ومرة تلميحاً .

في المرة الأولى بكى يسوع على قبر العازر (يو11: 25) وفي المرة الثانية بكي على أورشليم (لو19: 21) ، والمرة الثالثة التي يشير إليها الكاتب في (عب5: 7)  .

في المرة الأولى كان بكاؤه مع الأحباء ، وفي المرة الثانية بكى على الخطاة ، وفي المرة الثالثة يشير إليها الكاتب إلى العبرانيين ، في بستان جسيماني بكى في الصلاة ... أن أعظم صورة حملها إلينا يسوع عندما بكى هي صورة الله الذي يبالي ويهتم بالإنسان .

أن دموع يسوع تكشف لنا أن إلهنا ليس إلهناً قاسياً متجبراً لا يرحم ، لكنه الإله الحنون ، فما أعظمه في رقة قلبه ، وما  أجمله في فيض مشاعره .

لقد بكي يسوع على أورشليم لسببين :

1.    بكي على خطيتها :-

أ‌.      خطية الجهل بيوم الإفتقاد : إذ قال لها " قَائِلاً:«إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا، حَتَّى فِي يَوْمِكِ هذَا، مَا هُوَ لِسَلاَمِكِ! وَلكِنِ الآنَ قَدْ أُخْفِيَ عَنْ عَيْنَيْكِ ". (لو19: 42).

ياه ! وأسفاه فما أكثر الذين يجهلون ما هو لسلامهم أمثال هؤلاء يستحقون البكاء والرثاء .

ب‌.      خطيتة القتل والرفض والعناد : فلقد قال الرب يسوع «يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا!  (مت23: 37). فخطيتها ليست القتل فقط بل ايضاً العناد ، رفض المسيح وعدم قبوله فادياً ومخلصاً .

2.    بكي على خرابها :-

(مت23: 38)" هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا ".

نعم ! الخطية والخراب يتلازمان ، ولقد رأى الرب يسوع أن خراب أورشليم أنما هو :

أ‌.        خراب أكيد: " إذ قال فأنه ستأتي أيام ويحيط بك أعدائك بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة " .

ولم يمض وقتاً طويل حتى تم خرابها على يد تيطس الروماني سنة70 م.

ب.   خراب شديد إذ قال " ويهدمونك وبنيك فيك ولا يتركون فيك حجراً على حجر ... وقد كان " .

نعم ! لقد بكى يسوع على الخطاة .. فهل نبكي نحن أيضاً على الخطاة؟! .

هل فينا مَنْ يقول مع أرميا "يَا لَيْتَ رَأْسِي مَاءٌ، وَعَيْنَيَّ يَنْبُوعُ دُمُوعٍ، فَأَبْكِيَ نَهَارًا وَلَيْلاً قَتْلَى بِنْتِ شَعْبِي. " (أرميا9: 1)؟!.

وهل فينا مَن يقول مع بولس " إِنَّ لِي حُزْنًا عَظِيمًا وَوَجَعًا فِي قَلْبِي لاَ يَنْقَطِعُ. 3فَإِنِّي كُنْتُ أَوَدُّ لَوْ أَكُونُ أَنَا نَفْسِي مَحْرُومًا مِنَ الْمَسِيحِ لأَجْلِ إِخْوَتِي أَنْسِبَائِي حَسَبَ الْجَسَدِ "(رو9: 2- 3)؟!. ويقولمَنْ يَضْعُفُ وَأَنَا لاَ أَضْعُفُ؟ مَنْ يَعْثُرُ وَأَنَا لاَ أَلْتَهِبُ؟ (2كو11: 29) ؟!.

ثالثاً : الله يهمه الجوهر أكثر من المظهر :-

كان مطمح كل يهودي أن يزور أورشليم للمشاركة في ممارسات الفصح ، ولو مرة واحدة في العمر ، وليس أدل على ذلك من أن اليهودي الذي كان يعيش في بلد غريب ، حينما يلتقي بأخيه معيداً معه عيد الفصح يبادره بالتحية " هذه السنة هنا ، والسنة القادمة في أورشليم "

هذه المناسبة كانت المدينة المقدسة تكتظ بجموع الوافدين القادمين إليها من كل بقاع الأرض ، وعندما سمعوا أن يسوع الذي يصنع المعجزات آتياً خرجت جموع غفيرة للقائه وأنضموا للموكب .

ويرسم لنا البشير متى صورة الموكب فيقول " وَالْجَمْعُ الأَكْثَرُ فَرَشُوا ثِيَابَهُمْ فِي الطَّرِيقِ. وَآخَرُونَ قَطَعُوا أَغْصَانًا مِنَ الشَّجَرِ وَفَرَشُوهَا فِي الطَّرِيقِ.وَالْجُمُوعُ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا وَالَّذِينَ تَبِعُوا كَانُوا يَصْرَخُونَ قَائِلِينَ:«أُوصَنَّا لابْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي!».(مت21: 8، 9).

نعم ! لقد ارتجت واهتزت المدينة لهذا الحدث إلا أن يسوع كان يتطلع إلى هذه المظاهرات والاحتفالات والهتافات لا إلى مظهرها بل إلى جوهرها .

لاشك أن احتفالية دخول يسوع إلى أورشليم كانت مبهرة .

فلقد استقبلت الجموع يسوع كملك ، وفرشوا ثيابهم أمامه ، كذلك أغصان الشجر ، وسعوف النخل، تعبيراً عن إكرامهم وتقديرهم  ، لكن يسوع كان يرى بين الجموع ، المتفرج الذي يشبع فضوله وحب استطلاعه ، وبينهم الذي يهتف دون إدراك ووعي لما يقوله ، إنه يردد ما يقوله الناس لا أكثر ولا أقل ، وربما هم أنفسهم الذين هتفوا عند محاكمته " أصلبه .. أصلبه " بعدما قالوا " أوصنا ... أوصنا " . وبرغم من حماس الجماهير الذي كان متجهاً نحوه، إلا أن يسوع كان يعلم أن القيادات السياسية والدينية يكرهونه ، وقد صمموا على التخلص منه .

والسؤال هل هذه المظاهر هي التي جعلت يسوع يبكي ٍ؟! هل ... ؟ ... ربما ! وهل  تغير الأمس عن اليوم ؟!  فكم من أُناس تترنم بأحلى الأناشيد دون تمجيد ، وتقدم عطاياه دون شكر قلبي ، وتصلي دون صلة حقيقية ، وترى الشركة خالية من المحبة المسيحية ، وتلمس بوضوح الانفصام بين العبادة والشهادة ، ولا علاقة بين الإيمان والأعمال ، ولا صلة بين الفكر الكتابي والسلوك اليومي .

إن الحقيقية التي لا يشوبها أدنى شك أن الرب لا يهمه المظهر بقدر ما يهمه الجوهر والداخل والقلب .

نحتاج أن نصلي " «اخْتَبِرْنِي يَا اَللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي ".(مز139: 23).

رابعا ً: غضب يسوع المقدس يمتزج بالوداعة :

عندما دخل يسوع مكتوب في مت21: 12، 13 " وَدَخَلَ يَسُوعُ إِلَى هَيْكَلِ اللهِ وَأَخْرَجَ جَمِيعَ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي الْهَيْكَلِ، وَقَلَبَ مَوَائِدَ الصَّيَارِفَةِ وَكَرَاسِيَّ بَاعَةِ الْحَمَامِ وَقَالَ لَهُمْ:«مَكْتُوبٌ: بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!»  والجدير بالذكر أنه في العهد الجديد كلمتان يونانيتان بكلمة هيكل الكلمة الأولى " ناؤس naos " وهي تشير إلى قدس الأقداس ، حيث يدخل رئيس الكهنة وحده في يوم الكفارة العظيم ، الكلمة الثانية " هيرون hieron" وهي الأبنية والأروقة التي كانت محاطة ومتلاحقة بقدس الأقداس وهي " دار الأمم" حيث هو المكان الوحيد المتاح للأممي أن يدخله ولا يجوز أن يتخطاه وإلا تعرض للقتل .

وهناك .. دار النساء ، ودار الإسرائيليين ، ثم دار الكهنة لا يدخل فيه سوى الكهنة حيث مذبح المحرقة ، ومذبح البخور ، والمنارة ذات السبع شعب ، ومائدة خبز الوجوه ، والمرحضة النحاسية .

ولقد جرت الأحداث في دار الأمم وهي جزء من الهيكل ، وهو المكان المسموح لكل إنسان أن يدخله لذلك فكان شديد الازدحام ، لا سيما وقت عيد الفصح وفي هذه الدار – دار الأمم – كان تقوم تجارتان :

الأولى تجارةالصيارفة في تغيير العملة فقد كان على كل يهودي أن يدفع ضريبة للهيكل قدرها نصف شاقل وكانت مهمة الصيارفة تغيير العملات التي مع الناس إلى عملة الهيكل ، وكان الصيارفة يستغلون هذه الفرصة ويبيعون العملات بأسعار غالية .

التجارة الثانيةتجارة بيع الحمام ، فلقد كان الحمام يستخدم كذبيحة في عدة مناسبات مثل تطهير بعد الولادة ، وتطهير الأبرص بعد شفائه تماماً (لا12: 8، 14: 22، 15: 14، 29).

وكان يمكن شراء الحمام والحيوانات من خارج الهيكل ، لكن الشريعة كانت تشترط أن تكون الذبيحة بلا عيب ، وكان هناك مَنْ يقومون بالتفتيش للتأكد من خلو الذبائح من العيوب ، وهؤلاء كانوا يرفضون قبول أي ذبيحة مشتراه من خارج الهيكل ، وكانوا ينصحون الناس بشراء الذبائح من داخل الهيكل ... لكي يتم قبولها بسهولة ... ومن أسف كانت أسعار الطيور والذبائح أضعاف أضعاف ثمنها خارج الهيكل ، بالطبع كانت هذه التجارة تحدث بالتنسيق مع بعض الكهنة الذين كانوا يستفيدون منها ، هذا الاستغلال والطمع أثار غضب يسوع المقدس ... هل بكى يسوع عندما رأي هذا المشهد " السوق السوداء " بلغة اليوم ؟! ... ربما ! فالرب يسوع لم يستطع أن يرى الناس البسطاء الذين حضروا بقلوبهم العامرة بالإيمان ، ونفوسهم الراغبة في العبادة يتعرضون لمثل هذا الاستغلال البشع ، كما أن الذين جاءوا ليبحثوا عن الله ويتعبدوا له ، قد تعطلوا عن رؤية الله وتقديم العبادة له فكيف لهم أن يتعبدوا وسط  ذلك الضجيج من البيع والشراء والمساومة ؟!.

نعم ! إن غضب يسوع كان مغلفاً بالمحبة وممتزجاً بالوداعة فلم يقف غضبه عند حد الهجوم على المخطئين ، بل تعدى ذلك إلى معاونة المحتاجين ، فنقرأ مباشرة بعد تطهير الهيكل إنه "َتَقَدَّمَ إِلَيْهِ عُمْيٌ وَعُرْجٌ فِي الْهَيْكَلِ فَشَفَاهُمْ ".(متى21: 14) فباليد التي قلبت موائد الصيارفة ، وطردت باعة الحمام هي اليد التي لمست المرضي بالشفاء والبركة

نعم ! لقد كان يسوع رقيقاً في غير ضعف ، جباراً في غير عنف .

والكنيسة اليوم إزاء بعض المظالم والمواقف المشابه ينبغي عليها أن تغضب غضباً مقدساً ، فالكنيسة هي عامود الحق وقاعدته .


طباعة