بداية جديدة

 "لأن مراحمه لا تزول. هي جديدة في كل صباح. كثيرة أمانتك" (مرا 23:3)

هل تثق أن مراحم الرب على حياتنا لن تنتهي في كل أيام عمرنا؟ فهي لا تنقص ولن تزول، بل ستبقى لنا دائماً، ولن يستطع أحد أن يمنعها عنا أو يعطلها. ليس هذا فقط بل أنها جديدة في كل صباح، في كل يوم هناك أمور جديدة ليست كالأمس بل أعظم.. وأروع.. مما مضى.

 أثق أن الله يريد أن يعطيك مع كل صباح (فعلياً كل صباح، سواء كان صباح مرحلة جديدة في حياتك، أو صباح سنة جديدة) أموراً جديدة (لم تختبرها من قبل).. أموراً عظيمة (أعظم منك ومن إمكانياتك).. ويعوُّض ما فات في حياتك.. وتجد كل ما فقدته أو ما كنت تحتاج إليه، وتنجح فيما فشلت فيه، وتتحقق مشيئة الله التي دُعيت إليها بالكامل.

          ففي سفر يشوع، وهو سفر الانتصارات والغلبة وتحقيق مشيئة الله، نرى بداية جديدة بعد المعاناة من الفشل، وبعد أربعين سنة من لا شيء قضاها الشعب في البرية
(القفر العظيم)؛ فكان الشعب يسير إلى قادش برنيع (منطقة علي حدود أرض كنعان التي وعد بها الرب شعب إسرائيل) ثم يعود للدوران حول الجبل دون أن يدخل إلى الأرض، وهكذا... حتى مات جميع رجال الحرب (من سن عشرين فيما فوق).

          وبالرغم من أن مشيئة الله كانت أن يدخل الشعب ويمتلك الأرض، فقد تكلم إليهم الرب في ذلك بوضوح "الرب إلهنا كلمنا في حوريب قائلاً كفاكم قعود في هذا الجبل، تحوَّلوا وارتحلوا وادخلوا... وتملكوا الأرض التي أقسم الرب لإبائكم إبراهيم وإسحاق ويعقوب أن يعطيها لهم ولنسلهم من بعدهم" (تث6:1-8)، إلا أن الشعب لم ينجح في أن يتمّم ما تكلم به الرب على حياتهم.

 ولكن أتى سفر يشوع ليعلن عن بداية جديدة لتحقيق مقاصد الله على حياة هذا الشعب، فيتحول الفشل إلى نجاح، والانهزام إلى انتصار، والانتظار إلى واقع يتحقق.

 لقد نجح الشعب أن يدخل الأرض التي وعد بها الرب، استطاعوا أن ينتصروا على ملوك وشعوب أقوى وأعظم منهم. وبالرغم من قلة الإمكانيات (بالمقارنة مع الشعوب التي حاربوها)، إلا أنهم حققوا مقاصد الرب، وكانوا أدوات الله التي على الأرض والتي يعمل بها كل ما في قلبه، واستقبلوا قوة عمل الله وهو يهزم كل الملوك والشعوب التي واجهتهم، وأن ينتصر لهم ويعطيهم الانتصار. "ولكن شكراًلله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين" (2كو14:2).

          نعم هذا ما فعله الرب في حياة شعبه في هذا السفر، فكانوا في كل مرة يدخلون إلى مدينة أو حرب يقول لهم الرب انظر قد دفعت إليك المدينة والملوك الذين تحاربهم.. "فقال الرب ليشوع لا تخفهم لأني بيدك قد أسلمتهم لا يقف رجل منهم بوجهك" (يش8:10). "فقال الرب ليشوع انظر قد دفعت بيدك أريحا وملكها جبابرة إلباس" (يش2:6). "فقال الرب ليشوع لا تخف ولا ترتعب خذ معك جميع رجال الحرب وقم اصعد إلى عاي انظر قد دفعت بيدك ملك عاي وشعبه ومدينته وأرضه" (يش1:8).

          ما أعظم إلهنا! وما أجمل ما يفعله لنا وبنا! فهو الإله القادر على كل شيء ولا يعسر عليه أمر، فهو يريد أن نَقبل منه مقاصده التي على حياتنا، ونثق في وعوده، ونقبلها بالإيمان، وهو يقوم بكل ما يحتاجه الأمر لكي يتم ما وعد به.

          ففي كل صباح يريد الله أن تكون لحياتنا مرحلة جديدة من النجاح والبركة والامتلاك بدل المعاناة والفشل والتخبط بلا نتائج حقيقية في حياتنا.

 والله يريد أيضاً أن يكون في كل صباح (كما كان في حياة يشوع وكالب) صباح مجازاة الإيمان وامتلاك الوعود التي تكلم بها الرب، والتي وثقنا فيها وانتظرناها من يد عزيز يعقوب الله الصخرة.

 ففي هذا السفر قال كالب ليشوع "فالآن أعطني هذا الجبل الذي تكلم عنه الرب في ذلك اليوم... فباركه يشوع وأعطي حبرون لكالب" (يش12:14-13).. ليكون يوماً جديداً من سكيب البركة التي تغمر حياتنا بكثرة بلا حدود؛ فكالب بعد أن أعطى ابنته أرض الجنوب طلبت منه الينابيع العليا والسفلى فأعطاها. لذا آمن أنها ستكون أزمنة البركة الوافرة.. ومن البرية إلى الامتلاك بالكثرة "أكثر مما نطلب أو نفتكر". وآمن أن هذا الزمان سيكون تعويضاً عن السنين التي أكلها الجراد، وعن سنين الفشل والتوهان في البرية، سنين للراحة والهدوء، فيزول التخبط والدوران حول الجبال، ويأتي التنعم والسكنة في أرض الراحة "الرب إلهكم قد أراحكم وأعطاكم هذه الأرض" (يش13:1).

 ولكن ما أسرار هذا التغير من الفشل إلي النجاح ومن عدم القدرة إلي الامتلاك؟

 1-      انسى الماضي:

"وكان بعد موت موسى عبد الرب أن الرب كلم يشوع بن نون خادم موسى قائلاً  موسى عبدي قد مات فالآن قُم اعبر هذا الأردن أنت وكل هذا الشعب إلى الأرض التي أنا معطيها لهم أي لبني إسرائيل"(يش1:1-2).

          كانت كلمات الرب ليشوع "استقبل أمراً جديداً بعيداً عن كل خبرات الماضي، انسى أيام الفشل والانهزام، تطلع بروح جديدة، اترك الماضي الذي كنت تعيش فيه خادماً لموسى (كل محدودية في حياتك)، وقم قُد الشعب إلى تحقيق مقاصدي (انطلق إلى أمور جديدة لم تقم بها من قبل).

 إن الله يريدنا أن ننطلق من كل محدودية فينا وأن نقوم لا بما نستطيع أن نفعله، بل بما يريد الله أن يفعله بنا، وأن نخرج من الأماكن التي ظللنا فيها لأوقات طويلة لأننا نجد فيها الأمان ولأننا اعتدنا أن نعيش فيها واعتاد الآخرون أن يرونا فيها، وأنها تناسب إمكانيتنا المحدودة والضئيلة.ولكنه الوقت لنستعد، ولنستقبل أموراًجديدة، ولنخرج من كل محدودية بداخلنا ونتطلع إلى حيث يريدنا الله، وأن نفعل ليس فقط ما نستطيع القيام به أو حتى ما نظن أننا نعرفه،بل نترك أنفسنا للرب ليقوم وينقلنا إلى الأمور والأماكن والأشياء التي يريدنا أن نكون فيها، وأن نطلب من الرب أن يحررنا من كل خوف يحيط بنا، هذا الخوف الذي لا يدعنا نقوم بأشياء كثيرة على قلب الله لنا.

           لقد كان يشوع مُمتلكاً من الخوف بسبب مقاصد الله التي كانت علي حياته... "كيف أستطيع أن أقود هذا الشعب العنيد الذي تمرد على موسى والرب من قبله؟ فبسبب تمردهم لم يُحرَموا هم فقط من الدخول إلى الأرض التي وعد بها الرب بل حُرِم موسى نفسه من أن يدخل الأرض لأنهم جعلوه يفرط بشفته.

          هذا الشعب الذي كان دائماً يتحرك تحت قوة الجسد، فعندما لا يجدوا الماء يتذمرون، وعندما يشتهون اللحم يتذمرون، وعندما نظروا بنات موآب انساقوا وراءهم وعبدوا آلهتهم بل وزنوا معهم أيضاً.

          هذا الشعب لم يسمع لي أنا وكالب عندما قلنا أننا قادرون على امتلاك الأرض وهم يكونوا خبزاً لنا، بل ثاروا وتذمروا ولم يسمعوا لنا".

          ولكن يشوع قام من كل مخاوفه وظنونه الكاذبة. لم ينظر إلى إمكانياته المحدودة أمام إمكانيات موسي، والأفعال التي عملها الرب به والتي قال عنها الكتاب المقدس "ولم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرب وجهاً لوجه، وجميع الآيات والعجائب التي أرسله الرب ليعملها"(تث10:34). لم يضع نفسهُ في مقارنة مع موسى، ولم يُعطِ اهتمام للحسابات المنطقية التي تُعارض ما قاله الرب، ولكنه آمن بما تكلم الرب به ونسى كل ماضي ووجه قلبه وعينه على الرب وعلى وعوده الثمينة له.

          قال مثل بولس الرسول "أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام" (فل13:3)، فلم يتعلق بالماضي بل اشتاق بإيمان وثقة في الله إلى ما هو آتٍ، اشتاق إلى الأمور الجديدة، إلى الوعود الثمينة التي تكلم بها الرب إليه، إلى المراحم الجديدة التي تخص هذا الصباح، فلم يظل محبوساً تحت الماضي.

 2-احسم الأمور المُعلقة:

 "فأجابوا يشوع قائلين: كل ما أمرتنا به نعمله وحيثما تُرسلنا نذهب.. كل إنسان يعصى قولك ولا يسمع كلامك في كل ما تأمره به يقتل" (يش16:1-18).

          كانت حياة شعب إسرائيل طيلة أربعين سنة في البرية تتميز بالتمرد والتذمر الدائم.  وحتى أوقات الفرح والابتهاج بما فعلت يد الرب معهم كانت لا تطول، فكانت دائماً ما تأتي سريعاً وبعدها تأتي أمور تجعلهم يتذمرون وينسون الهتاف والتسبيح والحمد للرب على ما فعله معهم سابقاً.

 ولأن هذا الشعب عاش تحت قوة الجسد، عانى كثيراً من التمرد والتذمر والعصيان على موسى وعلى الرب، ومن التكلم بكلمات سلبية على حياتهم، وعلى الخدام الذين وضعهم الرب ليقودهم في مسيرة العبور إلى مقاصده، وذلك لأنهم لم يؤمنوا أن الله قادر أن يصنع لهم نجاة من تلك الأمور. وبالرغم من هذا كان يعود ويصنع خلاصاً عظيماً لهم بحسب مجده العظيم وقدرته السرمدية في كل مرة تقابلهم فيها أمور تبدو صعبة أو مستحيلة.

          لقد عاشوا تحت قوة رغبات الجسد الشريرة التي قادتهم للزنا الجسدي مع بنات موآب وأمام أعين الجميع، وأيضاً الزنا الروحي بعبادة آلهة الموآبين وعبادة العجل الذهبي، والتأثر بسنين الحياة التي عاشوها في أرض مصر والعادات الخاطئة فيها.

          ولأن الشعب لم يتعلم من تلك الدروس الكثيرة التي تذمروا فيها، حُرِموا من دخول الأرض التي وعد بها الرب آبائهم أن يمتلكوها (عدد 22:14-23) "إن جميع الرجال الذين رأوا مجدي وآياتي التي عملتها في مصر والبرية وجربوني الآن عشر مرات ولم يسمعوا لقولي لن يروا الأرض التي حلفت لآِبائهم". وهكذا صار الشعب محروماً من الدخول إلى أرض الراحة والشبع بسبب التمرد وعدم الإيمان والحياة وراء الجسد. هذه كانت المشكلة التي حرمتهم من التمتع بما وعدهم الله به، ولكن في سفر يشوع فعل هذا الشعب أمراً مختلفاً عن الجيل القديم إذ حسم الأمر واخذوا عهداً أمام الرب ويشوع بأن يسيروا وراء كلمة الله وخططه وأفكاره لا وراء ما يروا أو يستحسنوا، أو وراء ما يريد الجسد من رغبات شريرة،  بل وضعوا على أنفسهم: أنه لا حياة خارج مشيئة الله، والطاعة ليشوع الرجل الذي يستخدمه الرب.

 * لقد حسم الشعب الأمر الذي بسببه عانى من الحرمان من الدخول إلى أرض الراحة. فقد تعهدوا أمام الله ويشوع ألا يقودهم الجسد بضعفه وعصيانه، بل تملك كلمة الله على حياتهم وتطهرهم، ولتقودهم إلى امتلاك الوعود الثمينة والدخول إلى حياة النصرة والراحة.

 لقد قرر الشعب أن يحسم الأمر الذي كان يُعطل حياتهم ويمنعهم من التمتع بما أعطاهم الرب.لقد قرروا أمام الرب ويشوع القائد فحسموا الأمر، ولم يتعاملوا مع ضعفاتهم بميوعة وتهاون أو ظلوا يتلون الحجج عن الصعاب والمشكلات التي جعلتهم يسلكون هكذا، بل وضعوا أيديهم على نقطة الضعف وقرروا أن يمتلكوا شفاء وحرية من نقاط ضعفهم وألا يسمحوا لها أن تعطلهم ثانيةً.

 3-امتلكوا بالإيمان:

 "هوذا نحن نأتي إلى الأرض فاربطي هذا الحبل من خيوط القرمز.. وقالا ليشوع إن الرب قد دفع بيدنا الأرض كلها.." (يش18:2،24).

 لقد امتلك هذا الجيل الإيمان بالرب والثقة فيه بأنه سوف يعطيهم الأرض، ولم ينظروا إلى الواقع والصعوبات والمعوقات التي تمنع وتُعطل ذلك، بل تَشدد إيمانهم من رهبة راحاب وكلامها فرجعوا ممتلئين بالإيمان واليقين بامتلاك الأرض.

          فعندما أرسل يشوع الجاسوسين، قال لهما "انظرا الأرض وأريحا". وقد ذهبا لا لكي يعطيا تقريراً بإمكانية الصعود وامتلاك الأرض، بل تقريراً يفيد الصعود إلى الأرض وامتلاكها؛ فهما أعين الشعب التي ترى الأرض فلا يصعدوا إلى أرض وهم لا يعرفون عنها شيء.

          لقد كانت أريحا مدينة محصنة جداً رغم صغر مساحتها. فكان السور الذي يحمي المدينة عظيماً جداً وعريضاً لدرجة أنه بُنيت بيوت على مسافة عرض هذا السور.

هل زرت يوماً أثراً قد قرأت الكثير عن ضخامة بنائه وطوله وعرضه؟ هل تتذكر مشاعرك والإثارة التي حدثت بداخلك على الرغم أنك كنت تعرف عنه الكثير قبل مجيئك!!

          ولكن هذا لم يحدث مع الجاسوسين اللذين ذهبا ليتجسسا الأرض، لآن عينهما لم تكن على الأسوار الضخمة التي اشتهرت بها أريحا ولا بالتحصينات الصعبة، بل كانت متعلقة بالمدينة التي سوف يمتلكونها بعد وقت قصير بقوة الرب، وبالأرض التي ستكون بعد وقت قليل المكان الذي يستوطن فيه الشعب؛ كانوا واثقين أنه طالما وعد الرب، فمهما كانت الصعوبات سوف تزول. فمن يقف أمام الرب وقدرته؟ أو ماذا يصعب عليه أو يستحيل فعله؟!!

 لم يفكرا في استعداد الملك وجيشه وعِلمهما أن شعب إسرائيل يخطط للدخول إلى أرضهم، ولم يفكرا بمعرفتهما السريعة بدخول غرباء إلى أريحا ومعرفة أين هم في وقت قصير جداً، أو أنهُمَا نجوا من الحراس بأعجوبة، بل الثقة في الرب كانت شغلهما الأعظم، واليقين في كلامه الذي لا يسقط أبداً.

 لذلك قالا لراحاب "سنعود وندخل ونمتلك (لقد تكلما بيقين وثقة).. لِذا ضعي هذا الحبل القرمزي لكي يكون لكِ ولكل من يدخل إلى بيتك مصدراً للحماية (رداً منهما للمعروف الذي عملته معهما)".

          وعندما رجعا إلى يشوع تكلما بالإيمان الذي يرى الأمور قبل حدوثها "لقد دفع الرب الأرض ليدنا".. "كأنه يرى ما لا يُرى.. بالإيمان سقطت أسوار أريحا" (عب 27:11، 30).. لقد امتلكوا الإيمان الذي به دخلوا الأرض فامتلكوها.

 أيها الأحباء، أصلي أن تكون هذه الكلمات قد أتت إلى قلبكم بالإيمان والثقة في الأمور الجديدة العظيمة التي يريد الرب أن يفعلها معنا وفي حياتنا.  لذلك ارفع قلبك معي وصلِ بهذه الكلمات:

أشكرك يارب لأنك إله عظيم ومحب وصالح لحياتي إلى الأبد ..

أشكرك لأنك تريد أن أنسى الماضي بكل فشله وإحباطه، وأقبل منك أموراً جديدة لحياتي..

أمور قد تكون حسب فكري الإنساني المحدود قد تأخرت عن ميعادها..

أو أمور قد تبدو أنها صعبة التحقيق والنوال في الواقع العملي..

إني أؤمن أن حياتي ستكون ممتلئة من المفاجآت السارة والعظيمة من يدك الكريمة والسخية في العطاء ..

وأُعلن انفصالي وتوبتي عن أي أمور عطلت تحقيق مقاصدك في حياتي ..

إني أؤمن بقدرتك الغير محدودة ومحبتك العظيمة لي ..

وأنكَ سوف تحقق هذه الأمور مهما كانت التحديات التي تواجهني أو تحيط بي ..


طباعة