عقيدتنا في المسيح

(3) عقيدتنا في المسيح، تجسده وطبيعتاه

“ الفادى الوحيد.. هو الرب يسوع المسيح، الذى وهو منذ الأزل إبناً لله، صار إنساناً، وهكذا لا يزال إلى الأبد إلهاً وإنساناً ذا طبيعتين متميزتين وأقنوم واحد، (قانون الإيمان الإنجيلى)

“ عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد” (1تيموثاوس3: 16).

شعر أيوب أنه فى حاجة إلى من يصالحه مع الله، وصرخ: “ لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا!” (أيوب9: 33)..فمن هو المصالح الذى يقدر أن يضع يده فى يد الله، وفى يدى أنا الإنسان؟!

وفى ملء الزمان أرسل الله إبنه مولوداً من إمرأة، مولوداً تحت الناموس ليفتدى الذين تحت الناموس لننال التبنى (غلاطية4: 4، 5).. “ولَكِنَّ الْكُلَّ مِنَ اللهِ، الَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ،” أى أن الله كان فى المسيح مصالحاً العالم لنفسه، “ غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ،” (2كورنثوس5: 18، 19)

كان لابد أن يصير المسيح إنساناً ليصالحنا مع الله.. لأنه يصير بذلك “ ابن الإنسان” ممثل البشر، وفى الوقت نفسه “ابن الله ممثل الله. وبهذا فقط يصالحنا مع الله ، “يضع يده على كلينا”! وما كان يمكن أن يطلب أو يقوم لو لم يتجسد!

ونحن نجد الحديث عن المسيح “ابن الله” يملأ صفحات الكتاب المقدس- “فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ.” (يوحنا1: 1) – ولقد قال المسيح عن نفسه:” أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ».” (يوحنا10: 30) وقد سجد له توما قائلاً: “ «رَبِّي وَإِلَهِي».” (يوحنا20: 28) وقبل المسيح منه هذا السجود، الذى لا يكون إلا لله وحده. وقد قال الرسول بولس عن المسيح: “لأَنَّهُ فِيهِ سُرَّ أَنْ يَحِلَّ كُلُّ الْمِلْءِ،..... فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيّاً،” (كولوسى1: 19، 2: 9)

ليس هذا فقط، بل أن المسيح تحدث عن نفسه باعتبار أنه المخلص الوحيد ( يوحنا14: 6) وجعل نفسه مركز الإيمان الخلاصى، ودعا إلى ذاته كالمريح والفادى والمحى (متى11: 28، يوحنا6: 48، 8: 12، 11: 25).ولم يحدث أن نبياً دعا لنفسه أو قال عن نفسه ما قاله المسيح. ذلك أنه هو ابن الله الحبيب الذى به سر، والذى له يجب أن نسمع ( لوقا9: 35).

أما الحديث عن أن المسيح هو ابن الإنسان، أنه ممثل البشر، فانه أيضاً يملأ صفحات الكتاب المقدس. لقد دعى إنساناً (1تيموثاوس2: 5) و “ابن الإنسان” (متى13: 37) و “نسل المرأة” ( تكوين3: 15) و” ابن داود” (لوقا1: 32) ودعاه بطرس “ الرجل” (أعمال2: 22).

وكأى إنسان كان المسيح ينمو فى القامة وفى الحكمة وفى النعمة (لوقا2: 52) وكان يتعب ويحزن ويبكى ويتحنن..

هذا يكشف لنا أن للمسيح طبيعتين. فهو الإله الكامل، وهو الإنسان الكامل. ويوضح بولس هذه الحقيقة بقوله: “... ابْنِهِ. الَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ، وَتَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ الْقَدَاسَةِ، بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ: يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا.” (رومية1: 3، 4).

للمسيح إذاً طبيعتان، وهو شخص واحد. فهناك آيات كتابية تظهر صفات المسيح الإلهية مع الصفات البشرية منسوبة إليه، وهو الشخص الواحد: مثلا إنه المعادل لله والذى أخذ صورة العبد ( فيلبى2: 6- 11) ولقد اشترك مع البشر فى اللحم والدم مع أنه أباد الموت (عبرانيين2: 11- 14)، ولقد جاء فى شبه جسد الخطية ومع ذلك فقد دان الخطية (رومية8: 3)- (راجع 1تيموثاوس3: 16، غلاطية4: 4، رومية9: 5، يوحنا1: 14، 1يوحنا4: 3).

والمسيح صاحب الطبيعتين المتحدتين فى شخصه الواحد، لم يحدث أن أختلطت طبيعتاه معاً ولا امتزجتا، وإلا نتج عن هذا الخلط والمزاج طبيعة واحدة متميزة تختلف عن طبيعته الإلهيه والإنسانية. ولعل خير مثل غير كتابى يوضح هذه الحقيقة هو الحديد المحمى فى النار.. إن النار تحل فى الحديد وتتحد به، لكنها لا تختلط به!.

ونحن نؤمن أن ناسوت المسيح لم يصر إلهاً، وأن لاهوت المسيح لم يصر إنساناً، فلم تنتقل صفة من الطبيعة الإلهية إلى طبيعته البشرية، ولم تنتقل صفة من الطبيعة البشرية إلى طبيعته الإلهية.

هذا الاتحاد غير المختلط لطبيعتى المسيح لم يكن بحلول الطبيعة الإلهية فى جسد بشرى، بل كان اتحاداً شخصياً نشأ منه أن المسيح شخص واحد بطبيعتين متمايزتين إلى الأبد، أى أنه إله وإنسان فى وقت واحد !.

ونحن نؤمن أن للمسيح مشيئتين وبرهان ذلك هو صلاته فى بستان جثسيمانى عندما قال:” «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ. وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ».......«يَا أَبَتَاهُ، إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ إِلاَّ أَنْ أَشْرَبَهَا فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ».” (متى26: 39، 42).

ولقد جاءت تعاليم خاطئة كثيرة عن شخص المسيح وطبيعتيه:

هناك تعليم أبو لوناريس الذى قال إن المسيح ابن الله المتجسد. لم يكن له نفس ناطقة، بل أن اللاهوت قام مقامها.

وهناك تعليم نسطور الذى عاش فى القرن الخامس الميلادى وكان أسقفاً للقسطنطينية، وقد علم بأن للمسيح شخصيتين- ولو أنه قيل بعد ذلك إن نسطور لم يناد بمثل هذا التعليم، ولكن أعداءه نسبوا هذا التعليم إليه.

وهناك تعليم يوتيكس الذى كان راهباً فى القسطنطينية فى القرن الخامس الميلادى ونادى بأن طبيعتى المسيح اختلطتا، وتكونت نتيجة لهذا الاختلاط طبيعة واحدة !

 وخلاصة ما نصل إليه هو أن ابن الله الأزلى صار إنساناً، بأن اتخذ لنفسه جسداً حقيقياً ونفساً ناطقة، وهكذا كان ولا يزال إلى الأبد إلهاً وإنساناً ذا طبيعتين متميزظتين فى شخص واحد.


طباعة